لا شك بأن شعار «باسم الدين سرقونا الحرامية» الذي اصطفت حوله جماهير غفيرة من العراقيين من المكونات الاجتماعية والأطياف السياسية والفكرية كافة، وقبل كل شيء الناس الفقراء والبسطاء، يحمل في طياته إدانة صريحة ورفضًا قاطعًا للطبقة السياسية الفاسدة، ولنظام المحاصصة الطائفية الذي صاغه وكرسه الاحتلال الأمريكي (2003) واستمر حتى وقتنا الراهن، وهو ما تسبب في إفقار وتهميش أغلبية الشعب العراقي، الذي يفتقد إلى أبسط شروط الحياة الكريمة، والفشل الذريع في مواجهة قضايا خطيرة مثل تدهور الأمن وانتشار المليشيات المسلحة، شيوع الفقر، انتشار البطالة، انهيار قطاعات الصحة والتعليم والخدمات والبنية التحتية، واستمرار الأوضاع الإنسانية المزرية للمهجرين والنازحين، إلى جانب تحويل العراق إلى مرتع لنفوذ وهيمنة القوى الإقليمية والدولية الطامعة.
من هنا تنبع أهمية هذا الشعار وغيره من الشعارات المرفوعة، التي تشدد على ضرورة المصالحة الوطنية الشاملة، ونبذ الاصطفاف والصراع الطائفي والمذهبي، وهو ما يستدعي إعادة بناء الدولة والمجتمع، وفقًا لمتطلبات الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، حيث الفصل الواضح بين الشأن الديني (الحيز الخاص) والشأن الدنيوي (الحيز العام) وهو ما يستدعي إعادة صياغة الدستور وفقًا لمصالح الشعب، وحقه في المشاركة في صنع القرار بعيدًا عن نظام المحاصصة، ويرسخ الفصل الحقيقي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
شئنا أم أبينا، العراق تحول إلى ساحة صراع لقوى محلية وإقليمية ودولية، وهي تعمل على تكريس مصالحها وهيمنتها عبر استغلال الشرخ والانقسام والتفتت الكبير والخطير لوحدة الشعب والمجتمع العراقي، ومن الواضح بأن مرجعية النجف، أو المرجعيات العربية الشيعية في العراق في تعارض جدي مع مرجعية «ولاية الفقيه» في قم، لذا من المهم تأكيد استقلالية الهوية الشيعية العربية عن الهوية الشيعية الإيرانية، وذلك من خلال التأكيد على أولوية الانتماء الوطني والعربي، ورفض كل أشكال الهيمنة والتبعية للخارج تحت أي عنوان.
التحدي الآخر الذي يواجه العراق ما بعد الموصل وتحرير بقية المناطق العراقية، يتمثل في دور ومستقبل «الحشد الشعبي» ضمن التركيبة العسكرية – الأمنية العراقية الموحدة.
من المعروف بأن المرجع الأعلى للشيعة السيد على السيستاني أفتى بخصوص الجهاد الكفائي لمواجهة خطر داعش وتحرير المناطق العراقية التي سيطر عليها وذلك تحت إشراف الأجهزة العسكرية والأمنية الاتحادية، وأن تكون تحت قيادة السلطة التنفيذية، وكان محتوى ومضمون الفتوى موجه لعموم العراقيين بغض النظر عن منحدراتهم وتوجهاتهم المذهبية والسياسية، غير أن ما حصل على أرض الواقع كان على النقيض من تلك الفتوى؛ فقوام وتكوين الجيش الشعبي تشكل من مليشيات وفصائل عسكرية متنافسة وذات طابع مذهبي وفئوي أحادي بلغ تعدادها 67 فصيلاً عسكريًا نذكر من بينها كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر وقوات الشهيد الصدر وغيرها، وتلك الفصائل في الواقع خاضعة لإمرة زعمائها، رغم اعتبار الحشد الشعبي رسميًا فصيلاً عسكريًا شرعيًا وخاضعًا للدولة، وتحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة.
مع أن قوات الحشد الشعبي كان لها دور مهم في عملية تحرير عديد من المناطق العراقية من سيطرة داعش، وقدمت الكثير من التضحيات على هذا الصعيد، لكن لا يمكن إغفال التجاوزات الخطيرة والأعمال الانتقامية التي ارتكبها بعض عناصره والموجهة ضد المدنيين.
هناك تساؤلات ومخاوف جدية من قبل عدة جهات وأطراف عراقية، بما في ذلك الأحزاب والتشكيلات السياسية العابرة للطوائف، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني حول الدور المنوط لهذا التشكيل العسكري الأحادي مستقبلاً، وتأثيره على دور ومكانة الدولة، وتماسك التشكيلات العسكرية – الأمنية الاتحادية، وبالتالي هل سيكون جيشًا عقديًا موازيًا للجيش والتشكيلات الأمنية الاتحادية وذلك على غرار الحرس الثوري الإيراني، أم يتفكك إلى مليشيات متصارعة على السلطة والنفوذ؟
كما أن هناك خشية من إعلان بعض قادة الحشد الشعبي عن المشاركة العسكرية خارج العراق كسوريا وغيرها، وذلك تحت عنوان محاربة الإرهاب، وهو ما يتناقض مع تصريحات المرجعية ورئيس الحكومة حيدر العبادي الرافضة لمبدأ القتال خارج الحدود العراقية.