بقالة وتاكسي إلى مليارات!

يحفل تاريخنا المحلي بالعديد من قصص الإبداع والبطولة والإنجاز وتحديدًا في مجال العمل التجاري، إلا أن الكثير منها لا نعلم عنه الشيء الكثير، فهي من جانب قليلة نسبيًا تبعًا لحداثة العمل التجاري في المملكة، ومن جانب آخر  لأننا لا ننقل تلك التجارب، تقصيرًا في الإعلام أو تحفظًا لسبب أو لآخر.

رحلة هذا اليوم التي بدأت في الستينات مليئة بالكثير من العبر والعظات والتجارب، حري بنا أن نسعد بالاستمتاع ونحن نجلس على كرسي قطارها الذي سينقلنا إلى محطتها الأخيرة، بدلًا من أن نقفز إلى نهايتها الجميلة والسعيدة مرة واحدة.

تجربة مثل تجربة شركة الفوزان ثرية جدًا، ومن استمع إلى مقابلة رجل الأعمال عبدالله الفوزان مع الأستاذ عبدالله المديفر، لا بد أنه سيلحظ ذلك بشكل واضح.

عبدالله الفوزان ينقلنا إلى عالم من العبر والحكم مصقولة بواقع عملي، صهرته الأيام وعصرته الليالي، فأنتجت كيانًا قويًا جدًا أصبح واحدًا من أكبر الكيانات الاقتصادية في المملكة، لذا عندما تستمع إليه لا تستمع إلى منظر، ينقل لنا أفكارًا وتخيلات، بل تاجر يحدثك عن أرض الواقع، وينقلك إلى ساحة معركة العمل التجاري.

الفوزان وبحكم تجربته العملية يراكم أيضًا الخبرات والمواقف، ويطور على رويته التي يمتلكها بحكم معاصرته للواقع، فهو لا يقف عند قرار واحد أو فكر ثابت، بل يطوره تبعًا لملاحظاته العملية.

يقول إن الشركات هي بقوة إدارتها، فالشركات يمكن أن تقوى بعد الأزمات، ويمكن أن تضعف بل قد تنتهي، لذا فإنه ضمن حرصه على جلب الكفاءات الإدارية، ويرى أنه يجب أن تكون كريمًا مع تلك الكفاءات، وفي نفس الوقت  يحرص على أن تتميز بمواصفات محددة، ومنها أن يكون ذكيًا ونشطًا وأمينًا وحكيمًا وذا أخلاق عالية ويخاف الله.

ويضيف أن على المدير أن يشغل نفسه بالفرص وليس بالمشاكل، ولا ينغمس فيها، خاصة أن المشاكل والأزمات واردة في كل ظرف ولكل شركة، بل يشير إلى نظرية مهمة وهي أنه في الأزمات يجب أن يكون همنا ليس السلامة من تبعات الأزمة والخروج منها بسلام، بل  رؤيته أن في الأمات فرصًا يلزم الاستفادة منها، ويشير إلى كلمة مهمة لوالده -وهو المؤسس لشركة الفوزان- حيث يقول، “في الأزمات يا الله الغنيمة ولا يقبل بالقول يا الله السلامة” أي أنه في الأزمات يجب أن يخرج منها كاسبًا ومستفيدًا، ولا يقبل بالسلامة والمعافاة إبان الأزمات، وذاك لعمري طموح جميل ورائع يحمل روحًا وقادة ورؤية سليمة وتحديًا عالي الوتيرة بلا شك.

ويضيف عبدالله الفوزان أيضًا إلى برنامج العمل التجاري ما يمكن أن نطلق عليها نظرية جديدة حيث يقول إنه في الأزمات البقاء ليس للأقوى، بل للأكثر قدرة على التفاعل مع المتغيرات!

هذا النهج الإداري القوي امتزج بطموح عال، جعل سقف تطلعاته كبيرًا؛ لذا فإنه لا يقبل إلا أن يكون من ضمن أكبر ثلاث شركات الأقوى بالمملكة في المجال الذي يدخله، حتى لو كان ذلك المجال جديدًا بالنسبة له.

إضافة إلى كل ذلك الإبداع في العمل التجاري، فإنه لم ينس أبدًا المشاركة في العمل الاجتماعي والخيري، فمساهماته في هذا المجال كثيرة جدًا وتحتاج إلى مقال خاص بها، فلديه مشاركات على المستوى العالمي وكذلك على المستوى المحلي، سواء في الجانب الخيري أو التنموي.

هذا الجهد الجبار الذي بدأه عام 1958م عبداللطيف ومحمد الفوزان ببقالة وتاكسي انتهى  إلى شركة بعشرات المليارات، وأحد مشاريعها مول بالرياض قيمته 14 مليار ريال.



error: المحتوي محمي