عرفت أنا القطيف بشاعرية شاعر وفرشاة فنان تنفست هواء البحر فأغرقني في عالم الخيال أعماقه الغامضة لطالما استوقفتني أرهبني ذلك الجمال الغادر المخيف!
لم أتوقع يومًا أنها تعزف لنا من عالم الأساطير ألحانًا تسرقنا إلى عالم ما بعد الخيال!
سمعت عن حضارة ديلمون وترددت على مسامعي الكثير عن جمال تلك الأرض ولأن القطيف جزء منها زدت شغفًا لمعرفة الكثير عن تاريخ القطيف والمختبئ بين تلك اللآلئ المرجانية وخلف ذلك الخليج.
حتى جاءت اللحظة بلقاء مع الباحث التاريخي عبد الرسول الغريافي والذي أثراني بمعلومات تاريخية تشبه الأساطير القديمة وحكايات ألف ليلة وليلة الخيالية والتي سأنثرها بين السطور كباقة ورد حول حضارة عريقة تمثلت في القطيف يومًا.
ديلمون كموقع وحقبة تاريخية
تعد الألفية الثالثة قبل الميلاد أوج حضارة أرض الخلود أو الفردوس كما عرّفها الباحثون منذ القدم؛ حيث تمتد حول بعض جزر الخليج الكبيرة كالبحرين وتاروت وفيلكا.
من أبرز آثارها تلك القبور الديلمونية والتي حوت في باطنها الكثير من الثروات الأثرية.
جزيزة تاروت وتاريخ ديلمون
وهاهي جزيرة تاروت لاتزال تغص بالتلال التي تشكل المدافن الديلمونية على الرغم من العبث بها والذي استمر حتى بداية السبعينات من القرن العشرين الماضي من قبل بعض الكثير من الأجانب، وباجتهادات فردية تم تسفيرها للخارج إلا أن هناك أربعًا من التلال المشهورة الموزعة في أنحاء الجزيرة لم تنقب حتى هذه اللحظة.
القطيف امتيازات تاريخية
مثلت منطقة القطيف (والتي تعتبر جزيرة تاروت جزءًا منها) أحد مراكز الوصل بين الشرقين الأوسط والأدنى حيث بدأ من القطيف أطول طريق في الشرق الأوسط، وهو الذي اتجه نحو الشمال مرورًا بالكويت، فالبصرة، وامتدت فروعه إلى الشمال ليصل إلى بلاد الشام،
نهايةً بتركيا.
القطيف موطن الحضارة الديلمونية
ولما لهذا الطريق من أهمية بالإضافة إلى وفرة سبل الحياة في هذه المنطقة من ماء وطعام وثراء فقد قطن الكثير من الشعوب هذه المنطقة بما فيها مؤسسو الحضارة الديلمونية. لقد شكلت هذه الحضارة (الديلمونية) شريطًا طويلًا بمحاذاة سواحل الخليج ليمتد من عمان جنوبًا حيث حضارة مجان لينتهي (كما أشرت) عند جزيرة فيلكا شمالًا والتي كان تجارها يعملون على تصدير الأخشاب من أرضها إلى الشمال في البصرة وكانت في المقابل تستورد بعض الملابس. اجتهدوا في شق طرق البحر وعملوا في صناعة السفن، اهتموا بالزراعة والتي كان أشهرها التمور، وأما أشهر صناعة عندهم فهي الفخاريات ومنها الأختام الديلمونية والتي قادت الكثير من الباحثين إلى استنتاج الكثير عن حياة تلك الحضارة، كما أثبتت الاكتشافات أنهم اهتدوا إلى صناعة النحاس وطرقه بالإضافة إلى نحت التماثيل والتي تم اكتشاف الكثير منها في جزيرة تاروت، وقد بنوا المعابد ودور العبادة بصور شتى، كما أتقنوا الكثير من النقوش والنحت والتي ظهر معظمها على جدران الكثير من الكسر الفخارية.
ديلمون المعابد والطقوس الدينية
اهتموا كثيرًا في تلك الحقبه ببناء المعابد والمقابر وهذا دليل على الاهتمام بالجانب الديني ودليل كبير على إيمانهم بالبعث بعد الموت لذا فقد كانوا يهتمون بطقوس ومراسيم جنائزية تدل على إيمانهم بالبعث كوضع الجرار مع الميت والتي يحتوي بعضها على المياه والزاد وبعض المقتنيات النفيسة كالذهب والجواهر لاعتقادهم بيوم النشور.
لقد كان عندهم لشروق الشمس قداسة وعبادة رسمية حيث سمحوا لتسلل أشعتها إلى وسط المعابد بواسطة فتحات علوية تشبه الآبار لإكمال الطقوس العبادية.
رحلة جلجامش ومياة زهرة الخلود
كان للمياه قداستها كما ذكر في ملحمة جلجامش التي وصفت رحلة جلجامش بحثًا عن مياة وزهرة الخلود والتي أشارت إلى أهمية تدفق المياه ووفرته في الأراضي الديلمونية وقد ذكر في أكثر من موضع ومنها حين وعد أنكي بإنشاء العديد من جداول المياه فقال في بعض أجزاء الملحمة:
ديلمون هي أرض قلب سيدتي
لذا سأقوم بإنشاء مجارٍ مليئة
وأنهار وقنوات طويلة
حيث تتدفق المياه
لإرواء عطش جميع الكائنات
وتوفير الثروة لكل تلك الأرواح
ديلمون بلاد الأساطير
اشتهرت ديلمون بأساطيرها ومنها أنها أرض الفردوس الطاهرة التي لا يدخل أرضها المرض ولا يغزوها العدوان، ولا عداوة بين أهلها
وحتى الحيوانات لا تفترس بعضها، ومنزهة من كل سوء وجرم.
التقويم السنوي لديلمون
اشتهروا بتقويمهم السنوي الخاص بهم والذي يبدأ من بداية عشرين يونيو صيفًا حيث كان توقيتهم شمسيًا (الانقلاب الشمسي) فهم من أوائل من استخدم النظام الشمسي فقد تم اكتشاف بعض المراصد الفلكية في مملكتهم.