نشر الكاتب البرازيلي الشهير “باولو كويلو”:
“كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته؛ وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تحتوي على خريطة العالم ومزقها إلى قطع صغيرة وقدمها لابنه وطلب منه إعادة تجميع الخريطة.. ثم عاد لقراءة صحيفته، ظانًا أن الطفل سيبقى مشغولًا بقية اليوم، إلا أنه لم تمر خمس عشرة دقيقة حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة! فتساءل الأب مذهولًا: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟! رد الطفل قائلًا: لا، لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم. كانت عبارة عفوية؛ ولكنها كانت جميلة وذات معنى عميق “عندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم”، فالأهم بناء الإنسان.
هذه واحدة من القصص الجميلة والمثيرة والتي يجب علينا عندما نقرأها ألا تمر علينا مرور السلام من دون أن نتمعن فيها وفي مدلولاتها وفوائدها المتعددة.
إن كل مجتمع يلازمه سلوك وثقافة تختلف عن غيره من المجتمعات القريبة أو البعيدة، ألا أنها متى كانت تلك الثقافة والسلوكيات حاضنة للتربية الصحيحة وتمتلك المهارات المتقدمة، عندها تكون قد حققت نتائج ناجحة وقادرة على الانطلاق والتفاعل، لبناء جيل واع بداية من بناء الإنسان نفسه حتى الوصول إلى ما يسمى “آفاق العالمية” أي بناء العالم بأكمله.
إن التحدي الحقيقي الذي يواجه الأمة الراهنة، هو كيف تعالج الإشكالات العميقة التي تدور في ذهن وسلوكيات العديد من البشر! فالتعامل بأساليب المعالجة دون أن تخلق مزيدًا من التعصب ودون أن يواجه الخطأ بالخطأ.
فعلى سبيل المثال: كيف للتربويين والاختصاصيين النفسيين والمعلمين الاجتماعيين أن يغيّروا أساليب التربية غير الصحيحة باعتبار أن التربية الناضجة والمتطورة هي الأساس في بناء الإنسان؟! وما هي السبل الناجحة للوصول إلى بيئة تربوية سليمة، ليس لصغار السن فحسب، بل حتى للكبار ممن هم قد يكونون أحوج؟! بيئة صالحة تكون مؤثرة ومعالجة للكثير من السلوكيات الخاطئة والتي تبدأ صغيرة الحجم وتكبر حتى تتحول إلى عادة مذمومة من الصعب السيطرة والقضاء عليها بسهولة.
إن دور التربية وأهميتها للمجتمعات ولبناء الإنسان فيها تغدية للعقل والفكر وتجعل “الإنسان” صالحًا لنفسه ولأسرته ولمجتمعه، كما تؤهله لأن يكون بنّاءً ونافعًا لوطنه وبانيًا ومساندًا لأمته ولعالمه الكبير بإذن الله تعالى.