كنَّ النساء في الأيام الخوالي أميَّات، لا يقرأن ولا يكتبن إلا ما ندر، مع ذلك كنّ يعلمن البنات تقاليد خدمة المنزل والحياة الزوجيَّة وفنّ المطبخ بما تناسب مع ذلك الزمان. فإذا تزوجت البنت، وإن كانت صغيرة، باستطاعتها أن تتدبر شؤون المنزل من نظافة وطهي طعام، الرجل عامل بسيط، بحار أو فلاح، وفي الظهر تجهز الزوجة وجبةً خفيفة من الأرز والإدام، على قدر ميزانية الأسرة. الرجل أيضًا يعرف إمكانيات الزوجة ومهارتها، الكلّ شاكر وحامد وقانع بذلك الحال!
أتذكر منظر الرجال في أوليات سنوات العمل مع شركة أرامكو -نهاية السبعينات- أغلبهم ينتظر الحافلة ويحمل معه وجبة غداء طبختها له زوجته بعد صلاة الصبح، يحملها معه ويأكلها في فسحة الظهر. عادة ونَمط من السلوك الجميل تخلت عنه كثير من الأمهات والبنات، فإذا بالبنت تتزوج، في هذه الآونة، وهي في منتصف العقد الثالث من العمر، وإذا احتاجت إلى تجهيز وجبة بسيطة، قالت: أنتظر حتى أتعلم من الشبكة العنكبوتيَّة طريقة الإعداد. ثم إمَّا يأتي الملح قليلًا، أو طعم الوجبة مثل طعم ماءِ البحر.
أغلب مطابخ اليوم ديكور جميل جدًّا، فيه ثلاجات كبيرة، أفران طبخ غاز وكهرباء، خلاطات وعجانات، والوجبة إما تُطلب بواسطة التطبيق أو الهاتف. ليس واجبًا أن تطبخ المرأة، لكن إذا طبخت الأمّ أو الزوجة وهي تقول: باسمِ الله، تأكلوه يا أَولاد ويا بنات ويا زوج بالعافية هنيئًا مريئًا، وذلك العامل الذي يطبخ وفيه ما فيه من هموم النفسِ والجسد دون تفصيل! ألا يكون الأكل أطيب؟ أليس أخفّ عبئًا على اقتصادِ الأسرة؟ ألا يعمق المودَّة والمحبة؟
خدمة الطبخ -وإن هي شاقة بعض الشيء- دواء وبركة وتطيِّب الطعام. لله نفحات ونسمات يُدخل من خلالها المرأة في جناته. من هذه النفحات خدمة المنزل؛ الزوج والأولاد! نفحات تُغبط من أجلها، في مثل ثواب الجهاد، منها تدخل تحت نظر الله ورحمته. ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): “أيَّما امرأة خدمت زوجها سبعةَ أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار وفتح لها ثمانيةَ أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت”. رحم الله أمهات ذلك الجيل، خدمن سنوات عن طيبِ خاطر ورضا، مع ضنك العيش وخشونة الحياة!
طبخة أو اثنتان، في ساعة من يوم الجمعة أو السبت، يمكن حفظها في ثلاجة المطبخ تكفي أن يأكل منها الزوج وزوجته ثلاثة أيام أو أكثر، هكذا تصنع بعض العوائل في الغرب. وتشير بعض الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يطبخون كثيرًا، بدلًا من تناول الطعام في الخارج، يتبعون نظامًا غذائيًا صحيًّا بشكل عام. تظهر هذه الدراسات أيضًا أن وجبات المطاعم تحتوي عادةً على كمياتٍ أعلى من الصوديوم والدهون المشبعة، ومعدلاتٍ أعلى من إجمالي الدهون والسعرات الحرارية مقارنةً بالوجباتِ المطبوخة في المنزل!