بينما عيناها تلتحف الظّلمة؛ إذ بأصابع صغيرة حنونة تعبث بشعرها، تهمس ببراءة الطّفولة، التي اشتاقت لها، وهي في غمرة الصّدمة، أن تعود طفلة، رفعت رأسها، وإذا بابنة اختها ولاء، تبتسم في وجهها، حدّقت فيها بعمق اللّحظة، التي فتحت نافذتها، تلاصق ضوء الشّموع بين يديّ أختها، ووالديها، ليتحول بهو المنزل من ظلام إلى تُحفة فنية من الألوان، التي أشعلها والدها، تقدّمت أمها، عانقتها، احتضنت يديها، وأخذتها إلى حجرتها، التي تم إعدادها للاحتفاء بنجاحها، تمشي ملاك، وتتأمل كلّ الترتيب، الذي تمّ تنسيقه بعناية، لم تترك الأشياء، أكانت صغيرة، أم كبيرة، لتعيش كلّ التّفاصيل.
مرَّ النّهار، كانت فيه ملاك الأميرة، التي تقع عليها الأضواء، ليبزغ وجهها أكثر نضارة.
هل شعرت ذات يوم بأسرتك، وهي تحتفي بك؟ سُؤال تبُوح به ملاك إلى صديقتها، ورفيقتها في سكن الجّامعة.
تسأل عبير: وماذا حدث يا ولاء بعد ذلك؟
انتهت حفلة الاحتفاء بي، لأجدني أعود إلى حلمي في إكمال دراستي، ولكن حدث ما لم يكن في التنبؤ في حياتي، حيث تقدَّم لخطبتي شاب، وجدت فيه فارس الأحلام، الذي أنتظره، ولكن كيف ذلك، وللتو تخرجت من المرحلة الثّانوية، لم تنضج رُؤيتي للحياة، لم أتعرف على العالم من حولي، فكما تعلمين أنَّ أبي حريص جدًا على تربيتنا، لدرجة أنَّه لا يسمح لنا بمُشاهدة الأفلام على شاشة التّلفاز، لتقتصر حياتي على الدّراسة، وعلاقتي بأختي، وبعض طالبات المدرسة، التي لا تتعدى هذه العلاقة ساحة المدرسة، وأذكر أن ذات يوم، قدّمت لي إحدى الطالبات دعوة عشاء في منزلها، ليقلب أبي الدّنيا رأسًا على عقب، رافضًا ذهابي، لأظل في المساء أبكي، وأبكي، وأواسي ذاتي بقراءة القصص والرّوايات، لأشعر بنفسي كأنّها ذاتي الأخرى، أعوض من خلالها عن هذا التّجلي، الذي أريده، أيكون ذلك لدخولي هذه المرحلة العمرية، لأشتهي لمس الغيمات، والإصغاء إلى زقزقة، واللّعب بحبات التّراب، وأرسم وجهي بالكلمات على اصفرارها، لأسكب وجنتيَّ بطراوة رطُوبتها.
لقد عرفت ميُولك إلى عالم الحكاية منذ أول اللّحظات، التي تعرفت عليك فيها، كانت لرُوحك، ذاك الوهج، الذي يجعل الآخر، ينجذب إليك، كالسرَّ، الذي يبعث على الفضُول إلى الولوج في دنا ذاتك، أتذكرين، عندما سألتك حينها أنّي أرى في عينيك يا ملاك قصة لم تكتمل بعد، وما بين رمُوشها قارب يُجدف في الغياب بحثًا عن موج خفيفي الظلّ في زُرقته، تُبصرينها، كأنتِ. تسترجع الدّقائق عبير.
وحينها، لا أعلم، لماذا انجذبت إليكِ، أحسست أنًّك الجُزء الأكبر من الظلّ في صحراء ذاتي، كأنَّي وجدتك، لأجدني فيك، منذ حرفك الأول، مازلت أستأنس بأبجديتك، ثلاث سنوات مرَّت يا عبير، وفي كلّ يوم اشتاق إليك أكثر، مع أنّنا في حُجرة واحدة، إلا أنَّ غيابك، يجعلني احتاجك أكثر. تقُول ملاك.
وفارس الأحلام؟ تبتسم عبير: إنَّها نقطة التَّحول في حياتي، كأي فتاة، تنتظر فارس أحلامها، من يحملها على ألوان قوس قُزح، تنسج له في دائرة خيالاتها ما لا تلمسه، إلا أنَّها يحتويها بكاملها، طلبت أخته من أمي أن يأتي، لرُؤيتي من خلال “النّظرة الشّرعية”، أخبرتني أمي بذلك، وأنَّ مساء اليوم التّالي، سيضع أولى خُطواته الفعلية في حياتي، لأبصره بعينيَّ، ويُبصرني! كنت قلقة جدًا من المُستقبل، من رأيه بعد أن يراني، هل سأعجبه، أم لا، ماذا سيكون انطباعه بعد ذلك، تزاحمت الأسئلة في عقلي، وكثير من الهواجس النّفسية في دهاليز نفسي، كنت خائفة جدًا، لا أعلم كيف لهذه النَّفس، التي يحتضنها جسدي، أن تستجيب إلى الصّراع النفسي دائمًا، هل أعاني من توترات نفسية، أم هذا بسبب ما عشته في أسرتي من مُحاسبة دقيقة على تصرفاتنا، وابتعادنا عن العلاقات الاجتماعية، وفجأة، تفرض علينا الحياة، أن ننطلق في طُرقاتها، نتعرف على مدائنها، ونختلط بنوعيات مُختلف من بني جلدتنا، لأكون في الجامعة، لي علاقاتي الاجتماعية مع الكثيرات، مع اختلاف ثقافاتهنَّ، وبيئاتهن.
في مساء الجُمعة، دقَّ جرس منزلنا، أدير طرفي في وجه أبي، أمي وأختي، أسرع أبي ليُدخله، خاطبني أبي: لقد وصل، كوني جاهزة بعد قليل، ستدخلين عليه، تسمّرت في مكاني أنتظر هذا القليل، وماذا سيحدث بعده.