حياتنا طناجرُ مضغوطة، قليلًا وتنفجر! فما أحوجنا إلى ساعة، بين الفينة والأخرى، تنفس الضغوط وتعيد إلى نفوسنا وعقولنا توازنها. أن نكون فارغين ساعةً في اليوم لا يعني أنَّنا توقفنا عن الحياة والنموّ العقلي! على العكس تمامًا، إن الفترة القصيرة من الفراغ المُفيد استراحة محارب تعيد حياتنا قوية ونشطة.
الغريب أن معنى الفراغ والترويح عن النفس أخذ منحًا سلبيًّا -في الآونة الأخيرة- حيث لازمه هبوط فكري تامّ وخمولٌ جسديّ. بينما هو درجة مريحة ومفيدة من التفكير وإعمال الجسد وإِعماره. عن رسولِ الله (صلى الله عليهِ وآله): “في صحفِ إبراهيم” على العاقلِ ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون له “أربع” ساعات: ساعة يناجي فيها ربه عزّ وجلّ، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيما صنعَ الله عزّ وجلّ إليه، وساعة يخلو فيها بحظّ نفسه من الحلال فإن هذه الساعة عونٌ لتلك الساعات واستجمام للقلوب وتوزيع لها.
مجالسة الأصدقاء، سفرة قصيرة، صنعة مفيدة، رياضة جسدية، نزهة مع الصغار، وعشرات من مفاتيح التنفيس والترويح عن النفس. {إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}، حالة من الأنس بالإخوان، من أجمل النعم التي ينتظرها أهل الجنة. متكئون على سررٍ مصفوفة، يستأنسون إلى أصحابهم، لذة تعلو كثيرًا من اللذات، في الآخرة وفي الدنيا أيضًا “إن الله تعالى يحب المداومةَ على الإخاءِ القديم فدَاوموا عليه”.
أطفالنا، بعد نحو ستّ ساعات من الدراسة، ساعاتٍ في أداء الواجبات المدرسيَّة، وأخرى من اللعب بالأجهزة الإلكترونيَّة، يحتاجون إلى ترويحٍ -حقيقيّ- يستمتعون فيه بأوقاتهم، ويخففون من أوزان أجسامهم بصحبة أقرانِهم الصغار. لا أدري إذا كان شبَّان اليوم يقضون ساعات ما قبل غروب الشمس في لعب الكرة، كما كنَّا في الأيام الخوالي، أم أن التسلية اقتصرت على قضاء بعض الوقت في النوادي الرياضيَّة والمقاهي، واللعب داخل المنازل؟ كانت بحقّ أوقاتًا جميلة جدًّا، ومفيدة في تقوية روابط الصحبة والصداقة والمتعة الروحيَّة، في فترة من الزمن كانت الحياة قاسيةً وصعبة.
من العادات الجميلة التي توجد في الغرب، ولا أظنها توجد عندنا، اصطحاب الآباء الأبناء الصغار إلى ساحاتِ اللعب، إذ بينما الأبناء يلعبون ويقضون أوقاتًا جميلة، يقوي الآباءُ والجيران روابَطهم الاجتماعيَّة وصداقاتِهم بالأحاديث الجانبيَّة.
ساعة من متعة القراءة الأدبيَّة والتاريخيَّة والدينيَّة، كل ذلك أصبح ممكنًا وبالمجان بفضل وجود التقنيات الحديثة التي هي حدائق نضِرات من المعارف، لمن أراد التنزه فيها.
ساعة من الترويح عن النفس مع أمّ وأب، كم فيها من مسرّة للأب والأمّ؟ كم فيها من بركة ودعوات مستجابة ودروس حياة مستفادة للأبناء والبنات؟! عبادة أعظم ثوابًا عند الله من كثير من العبادات، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليهِ وآله): ما ولد بار نظر إلى أبويه برحمة إلا كان له بكلّ نظرة كحجة مبرورة، فقالوا: يا رسولَ الله وإن نظرَ في كلِّ يومٍ مائة نظرة؟ قال: نعم، الله أكبر وأطيب.