تأملات في مخبوات الطير

 وَلَو تَصَفَّحتَ أَورَاقَي لتَقرَأَهَا… رأَيت تَأَمُّلاتَي جُلَّ أَورَاقَِي

1. تعلمت مِن الطير الودِيع دَيمومة نفرة الاستيقاظ، بخِفة النشاط المبكُّر؛ ونَهضة الحَالم المُتصدِّر؛ ليبدأ بَاكورة مِشوار عمله اليومي المُتنوع المُعتاد، بفائق هِمة ورائق نَشاط؛ مُتجاوزًا ومُتخطيًا زَحمة التفتيش عن مَقسوم قُوت يومه المَخبوء، بعزيمة البحث الدؤوب عن شَذرات وكِسرات الطعام التائهة، مِن هنا وهناك، له ولسائر صِغاره، المُنتظرة؛ ووُصُولها المُرتقَب إلى حَواف مَناقيرها الصغيرة المُتفتِّحة، برَائق صَبر، وطُول أَناة، ودَوام مُثابرة؛ ورِقة بُلوغ التطلُّع المُستعذَب لاحقُا، إِلى الاستمتاع المُتأمل المُتفكر، والسعي المُسير المُيسر، بأَندى، وأّسمى، مَباهج ومَسرات الطبيعة الخلَّابة، مِن حوله، في أَبهى مَدارِج، وأَمتع وبَرنامِج رِحلات طيرانه المَكوكية السَعيدة المُتجددة!

2. وتعلمت أَنَّ كسرات الطعام الطرية الحُلوة، ليست وَحدها مُنفردة، لِمَا ترنو وتَهفو إِليه الفراخ الصغيرة، القابعة في جَوف أَحضان العُش الدافئ… بل تتطلع، عن بَكرة أَبيها، بحَماسَة وإِقدام، إِلى أَسعد عَودة مَيمونة؛ وثنتظر سَابغَ حَنانٍ مُتمازجٍ مع دِفّء عَاطفة الأُمومة؛ وتَناغمٍ مُنسجمٍ مع حُنُو الأُبوة، ولَمِّ الشمل، والتقاط سُخونة أَنفَاس الاستشراف الطامح الطامع، إِلى تحقيق وتطويع رؤية أَسمى بارقة أَحلامِها الوردية الندية!

3. وتعلمت أَنَّ إِهداء زقزقات أَسراب الطيور الرقيقة المُتناغمة؛ وإُسداء سَائر أَرق ترنيماتها الميكانيكية الرخيمة… هي- في واقِع الأَمر- سَيل مِن بوحٍ مُتدفقٍ مِن فيض السعادة الغامرة، لابُد مِن إِعلانه لزامًا، بشَفافية وعَلانية، أَمام الملأ، مِن حولها؛ لتنتعش في أَعماق دَواخلها الوَلهى، حُبًا وصَبابةً؛ لتسمو وتعلو، بتكوينها الخَلقي الفريد؛ وتَمرح وتَصدح بديدنها الرائع البديع، بأَنَّ الطير الوديع مَخلوق مُجتهد سَعيد وَدُود، قلبًا وقالبًا!

5. ولا أَكاد أَخفِي مَكنون مَشاعري المُتأَملة، ذات مرَّة، عندما لاحطَّت باهتمام واعتناء حمامة بَيضاء، تحمِل أَلمعية الوعي المَغبوط المُتيقظ؛ وتتباهى بمِصداقية السعي المُجتهد؛ وتحتضن- صِدق ومَنطق- ذكاء هُدهُد نبي الله سليمان، عليه وعلى نبينا الكريم الرحيم، وآله، أَفضل الصلاة، وأَتم التسليم… وقد حّطِّت بخِفةٍ؛ وتهادَت برَشاقةٍ، أمام حَفنةٍ مِن كسرات خُبز مُتناثرة، على قارعة الطريق… وبعد بُرهة، حَط بقُربها عَددٌ مِن العصافير الصغيرة؛ فلم تطردهم الحمامة الوديعة، عن مُتسع مَائدتها السنِيََّّة، كعادة الحيوانات المُفترسة، بَل سَاهمت، بكَرم فَياض، ولُطف مَشهود، وكِياسة مَلحوظة، في تقطيع كسرات الخبز إِلى قطعٍ صغيرة ونثرها باتجاة ضُيُوفها الوافدين الحِسان، مِن صِغار العصافير الجائعة؛ لتلتقطها تباعًا، بفَائق شكر، وعَظيم امتنان… تأَملت مُندهشًا؛ وتِعجَّبت كَثيرُا لموقف الحمامة البيضاء الرؤوم!… وأَيقنت لاحقًا، أنَّها تستحق “بشَطارة” وجَدارة، أَن تحظى تكريمًا؛ وتحوز- بفخرٍ واعتزازٍ- على نَيل وِسام وَصِيفة السلام؛ بحملها بين طرفي منقارها الناعمين، بأَريحية واهتمام، غصن الزيتون الأَخضر الغض؛ لتُطُوف به الآفاق، وتُعلن بأَريحية، على رُؤوس الأَشهاد، بأنَّها سَفيرة سَلام، وأَيقونة وِئام، ورَمز انسجام، وبَارقة احترام، لكل الأَنام؛ وداعية لنشر أشرِعة الأَمن؛ وتأسيس مَواكِب الأَمان، في سَائر العصور، ومُختلف الأَزمان…!



error: المحتوي محمي