الاستثمارات البلدية والتنمية المحلية

تلعب الاستثمارات البلدية دوريًا محوريًا في التنمية المحلية، فهي تمثل أحد أهم الأدوات الأكثر فاعلية في إحداث التنمية المحلية المتوازنة التي تنتج قيمة مضافة، كما أنها تشجع القطاع الخاص على طرق مجالات استثمارية جديدة تحتاجها المدينة/المنطقة، ويمكن تلخيص أهداف إدارات الاستثمار البلدي في ثلاثة أنواع رئيسية: أهداف استثمارية تهدف لزيادة محفظتها الاستثمارية لزيادة العوائد وأنواع الفرص الاستثمارية. وأهداف مالية لتحسين كفاءة التشغيل مثل: تخفيض بنود التشغيل والمصاريف التشغيلية. وثالثًا: أهداف تنموية متعلقة بالرؤية المستقبلية للمدينة وهو أهم الأهداف لأنه يستهدف التنمية المحلية بالدرجة الأولى من خلال: استحداث فرص استثمارية في قطاعات تنموية جديدة تدعم الإستراتيجية المحلية للمدن مثل: تنمية أواسط المدن والمناطق الأقل تنمية.

لعل أكثر ما يخدش جوهر الاستثمار البلدي أن يكون الاستثمار البلدي على حساب البنى التحتية للمدينة المخصصة للمساهمة في رفع مستوى جودة الحياة التي بذلت البلديات نفسها جهودًا كبيرة في إقرارها وإنشائها، وهنا ينشأ التعارض بين مهمة البلديات في المحافظة على زيادة وتطوير تلك البنى تبعًا للزيادة السكانية ومواكبة لتطور الاحتياجات الاجتماعية وبين القرارات والإجراءات المناقضة لذلك.

محافظة القطيف اليوم هي ضمن المحافظات صغيرة المساحة؛ لذا هي بحاجة أكثر للاستفادة من الميزات النسبية لها وفي نفس الوقت تمكينها بخلق بنية تحتية حيوية تحقق التوازن والتكامل والاستدامة، وهنا أقتبس جزءًا من مقال سابق لأمين منطقة الرياض الأسبق الأمير عبد العزيز بن عياف يقول فيه: “طالبَت أمانة منطقة الرياض -وأنا أمين المنطقة- بتوجيه كامل ميزانية البلديات إلى المدن المتوسطة والصغيرة وترك المدن الكبيرة لإيراداتها الذاتية خصوصًا أن الفرصة متاحة جدًا للمدن الكبيرة للاعتماد ماليًا على نفسها وتخفيف العبء المالي عن كاهل الحكومة. فالمدن الكبيرة قادرة على مضاعفة إيراداتها عن طريق قنوات كثيرة لا تمس المواطن”.

إن الاستثمار البلدي في محافظة القطيف بدأ يأخذ مسارًا مختلفًا متجاهلًا الحقائق على الأرض كصغر المساحة من جانب، ومن الجانب الآخر البعد عن الأهداف التنموية التي يستهدفها الاستثمار البلدي باعتباره أداة تنموية. حيث يمكننا مشاهدة ذلك في اندفاعة “الاستثمار البلدي” على أشرطة الكورنيش الضيّقة أصلًا التي تحتاج لتوسعة كبيرة وليس تقليصها، فهي بالكاد تكفي المرتادين في الأوقات العادية فضلًا عن أيام ومواسم العطل، إننا نرى الاستثمار البلدي ينهش في تلك المواقع عبر البناء التجاري بمختلف الأشكال والأحجام دون مراعاة حجم احتياج سكان المحافظة لمثل هذا المتنفس أو تحسبًا لنسبة النمو السكاني السنوية المرتفعة للمحافظة أو خطط التنمية السياحية في المحافظة.

كما يمكننا مشاهدة ذلك أيضًا في التوجه نحو تحويل المرافق الحيوية للمحافظة مثل أسواق النفع العام إلى أسواق تجارية دون النظر إلى الأهمية الكبرى لمثل هذه الأسواق لمحافظة صغيرة المساحة وما تلعبه من دور مهم في التأثير على نسبة البطالة والقدرة على ضبط الأسعار بأقل التكاليف، سيما ونحن نرى مدى التذبذب والارتفاع في أسعار المواد الغذائية والمؤشرات والمؤثرات المختلفة التي تشي باستمرار ارتفاعها في الفترة المقبلة.

لا أريد هناك مناقشة مدى قانونية مثل هذا التوجّه رغم استثناء المادة العاشرة من لائحة التصرف بالعقارات البلدية للعقارات المخصصة للنفع العام والتفرقة بينها وبين الأراضي التي تملكها البلديات، لكني أضع الأمر من زاوية أخرى وعلى المدى الطويل وليس على مستوى الحسابات الآنية والنظرة القاصرة لأسأل: أيهما أولى وأجدى وأنفع للمحافظة هل في استمرار وجود وعمل أسواق النفع العام تحت أي مسمى كان، أم تحويلها لأسواق تجارية تعطي للمستثمر عمليًا كامل الصلاحية؟ ما الجدوى من إلغاء سوق نفع عام قديم ووحيد في مدينة يسكنها أكثر من مائة ألف نسمة؟

إن التنمية المحلية التي سنامها الاستثمار البلدي هي جهد وطني مشترك بين العديد من الجهات الرسمية والمجتمع المحلي والقطاع الخاص، فالاستثمار البلدي هو الرافعة التي يعوّل عليها إنجاح التحوّل من الأداء الإداري البحت إلى اللامركزية، ومن الإدارة المحلية إلى تطبيق مفاهيم التنمية المحلية. إننا في مرحلة يجري فيها تقييم وجود ودور وزارة الشؤون البلدية نفسها فلا ينبغي حصر قرارات الاستثمار البلدي في بلدية أو أمانة فقط، فلضمان جودة تلك القرارات وتطبيقها ينبغي إشراك المجتمع المحلي الذي سوف يتأثر -سلبًا أو إيجابًا- تأثرًا مباشرة بقرارات إدارات الاستثمار البلدي.



error: المحتوي محمي