لا أشجع الأخضر ولا الأصفر!

يوم كنا أطفالًا كنا نُعبئ الأكياس البلاستيكية والخيش أشياءً من حولنا، نَصنع منها كرات، ندفعها ونَركلها بأرجلنا العارية. كلّ الكرات، كلّ الأرجل، كلّ الفتيان، كلّ الألوانِ سواسية. ثم بعد أن صرنا شبَّانًا جمعنا قرشين قرشين من كلّ واحد واشترينا كرةً حقيقية. كلّ أبناء الجيران والأفرقة والحارات سواسية، نفس اللّون، أبيض. حقوق البثّ الحصريَّة، أن نبثّ الصداقةَ والألفة والمحبة. الكرة البوصلة، وكل لاعبٍ بطل!

تعلمتُ في الرياضة ألا أنحازَ إلى لونٍ دون لون، أو رياضةٍ دون أخرى. أشجع الرياضةَ بكلّ أصنافها والرياضيين كلّهم، لا فرق عندي في لونِ قميصٍ دون آخر! إذا فازَ أخضر على أصفر فرحت، وإذا فازَ أصفر على أخضر أيضًا فرحت. هكذا تكون الرياضة مبعث بهجة وانشراحَ نفس، لا مبعث عصبيَّة وسوء مزاج. الرياضة ليس من طبعها الفوز والخسارة، الكلّ يربح، من يمارسها، من يشاهدها، ومن يشجعها.

الآن الكرات ألوان وأشكال، وشعارات وعصبيَّة، كل فريق له لون وجمهور وناس. هذا يزعل ويضرب ويشتم ويكسر، ذاك يفرح ويوغل في الفرح والشماتة بالخاسر. الزعيق والعبء على ظهورِ المشجعين، والمال والمهنَأ في كيسِ غيرهم!

عندي أمنية مستحيلة: عد يا زمان، تعالَ لا تخف، تعال خذ كلَّ الألوان، تعالَ خذ كل الكرات المصطنعة، أعد لنا كيسنا وأشياءنا، بس على شرط: أن نعود صغارًا أبرياء، لا لونَ ولا طعمَ ولا رائحةَ فينا سوى رائحة عرقِ الطفولة والصداقة. ولكي لا نصنع من أنفسنا استثناءً، هكذا كلّ أطفال العالم، شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، قبل أن يكبروا ويتعلموا أنانيَّة وخصومة ورأسماليَّة الكبار.

جمال الرياضة في شعار الفوز للأفضل والأجدر. هذا الشعار لا يعني عدم تمنيّ الفوز للونٍ دون آخر، لأننا بشر نحبّ أماكنَ وأناسًا وأشياءَ أكثر من غيرها، هكذا جنّدت أرواحنا. جمال الرياضة ألا نكره الخصمَ ولا نركسَه في الخسارة!



error: المحتوي محمي