سيرة طالب (12)

موسم الحج..

استقرّ بي المقام في بلدي الحنون بضعة أشهر في سنة 1411هـ، وكانت أيام محنة غزو الكويت، وبالتحديد بعد عيد الفطر في تلك السنة تحدّث معي رئيس حملة الفردان، وهو الحملدار المعروف حمزة الفردان (أبو محمد) بشأن انضمامي معهم في حج تلك السنة مرشداً أو مساعداً للمرشد الأساسي، العلّامة الشيخ عباس العنكي (أبو فاضل)،*وهو من العلماء المميّزين.

وكان ردّي لأبي محمد الفردان:
أنا لم أحج قبلاً ولم أعتمر، كيف أكون مرشداً وأنا أحتاج إلى مرشد؟
فقال لي: أنت طالب علم مجدّ، فلا خوف عليك.
فقلت له: توكل على الله.

ودرست كتاب (مناسك الحج) للسيّد الخوئي (ره) عند الفاضل الشيخ عبد العظيم الشيخ، وهو من أساتذتي الذين أخلص معهم المودة، ومما يسهل الأمر آنذاك أنّ حجاج الحملة كلّهم مقلّدون للسيّد الخوئي (ره)، فلا حاجة لمراجعة آراء المراجع الآخرين، وكان درسنا درساً سريعاً، فمدّته شهر واحد.

الشيخ العنكي وغزارة علمه
سافرنا أولاً إلى المدينة المنورة، حيث كان الشيخ عباس يعطي الحجاج دروس الحج مدّة عشرة أيام، وكان من عادة الشيخ الأستاذ العنكي إعادة مضمون الدرس السابق على مسامع الحجاج في كلّ يوم إعادة سريعة؛ ليحفظه الحجاج، مما سهّل عليَّ أمر مذاكرتي، وكذلك لتعليم الحجاج.

ولا شك أنّ ممارسة الشيخ العنكي كانت عميقة في الحج وفي غيره، علماً نظرياً وتطبيقاً، فلو زرته في مجلسه العامر، فسترى بحراً زاخراً، وهو من المجتهدين القلائل، وأقول: من المجتهدين القلائل في المسائل والأدلة الاستنباطية، وأنا شخصياً أسأله بعض المسائل الدقيقة، فيذهلني بإجابته التفصيلية، كما كنت أقول لزملائي مراراً وتكراراً:
*إنّ جلسته الأسبوعية في بلدنا أمر نادر الوجود، حتى في قم المقدسة.*

بعض القصص
– سألته ذات مرّة عن عبارة الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد) في المجلد الأول في باب ذكر الإمام الحسين (ع)، ولم أكن حافظاً نصّ العبارة بحرفها، إنما بمعناها، فأجابني الشيخ الأستاذ بنفس عبارة الشيخ المفيد، فهو يحفظها بنصّها وحرفها، فذهلت؛ لأنه يحفظ حتى بعض عبارات كتاب الإرشاد مع أنّه كتاب لا يُدرّس في الحوزة.

ـ كما أتذكر أنني في يوم من الأيام كنت أراجع في (وسائل الشيعة)، باب بطلان العبادة المقصود بها الرياء، فوضّح المؤلف أنّ البطلان يدلّ عليه إحدى عشرة رواية، لكنّنا لم نقف على أيّ دليل على بطلان العبادة، إلّا في رواية واحدة فيها يُفهم منها شبهة البطلان، وإن كان الأصح فيها عدم البطلان، وهي الرواية صحيحة السند عن علي بن سالم قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: قال الله تعالى:
“أنا أغنى الأغنياء عن الشّريك، فمن أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلّا ما كان لي خالصاً”.
فسألت الشيخ العنكي عن عدم وجود دليل صريح على بطلان العبادة بالرياء، ولم أذكر الرواية التي فيها شبهة البطلان، فقلت: ما هو رأيكم؟ فأجاب:
إنّ الدليل عندنا هي الرواية المذكورة في وسائل الشيعة، قوله كذا.. وذكر الرواية بتمامها لفظاً، ففاجأني.

ـ وذكر الشيخ أنّه في بعض الأيام النادرة كان يقرأ القرآن في ليلة واحدة، أي ما يقرب من اثنتي عشرة ساعة.



error: المحتوي محمي