على الخاص!

حديث الشفافية والوضوح قد يتهرب منه البعض ليُخفي شيئًا ما لا يريد إعلانه لأنه غير واثق من قراراته وربما تكون قابلة للتغيير حسب مزاجه، أو ربما لأنه يعلم حال وضوحه لن يقبل به أحد.

فمثلًا مع كثرة المتاجر التي تكون منصاتها عبر حسابات الإنستقرام هناك حركة بغيضة من قبل الكثير من أصحاب المشاريع والأسر المنتجة وهي عدم وضع الأسعار تحت صور المنتجات وعدم الرد على الاستفسارات عنها، وفي حال السؤال عنها يأتي الرد عالخاص، أو الأدهى الذي يريد محادثته عبر الواتساب حتى يأتي الرد أو ينقل المعاملة لشخص آخر، مما يجعل الزبون يغير رأيه من التعقيد الحاصل للحصول على سعر وكأنه يطلب صناعة الذرة.

وبالإضافة إلى هذه الفئة وجدت نوعية غريبة تكتب أنه إذا أردت خصمًا فحادثني على الخاص!

هنا بالفعل ترتسم عشرات العلامات من الاستفهام والتعجب والسؤال: لماذا عبر الخاص فقط يأتي الخصم؟ وماذا تريد من الخاص؟

بغض النظر عن من يصطاد بالماء العكر بعيدًا عن العلن والعام وعبر الخاص فقط، ولكن إن تأملنا قليلًا فقد نكون نحن واحدًا من أمثالهم حين نحادث أنفسنا الشيطانية في الخلوة وعبر الخاص والذي لا يكون عبر العام لحفظ الصورة البرّاقة أمام الناس.

فعبر الخاص ومع خصوصية الغرف التي تُقفل ليعمل الشخص أي شيء بالخفاء، فوراء الباب المُقفل قد يكون هناك من يدخن سيجارة خفية عن والديه، أو يتعاطى مخدرًا مع أصدقائه، أو يشاهد ما لا يليق أو يسمع ما لا يحل، أو يحادث الجنس الآخر، أو لربما يختلي بنفسه ويحادث ربه!

قد يُغلق الباب ليرتكب ذنبًا بعيدًا عن أعين الناس ومن بين فتحات الباب يُدخل له الله النفس والهواء ليتنفس وهو ينظر له كيف يعصيه ويتناسى أنه يبصره ومع هذا رحمته أوسع من أن يأخده بذنبه سريعًا.

ولكن (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).

إلى متى سنستمر على الذنب؟ هل ننتظر ملك الموت ليقبضنا ونحن بجرمنا المشهود عليه؟

الله يُمهل ولا يُهمل، قد يدع عبده يستمر لسنوات على ذنب معين ويرحمه وينتظره لعله يعود في يوم من أيامك يا شهر الله فأنت الفرصة والعرض المغري الذي لا يحتاج لجواب “بكم”؟ لأنه بقانونه هو يقبل القليل ويعفو عن الكثير.

ولكن من جهلنا أن نستصغر بعض الذنوب ونقول عنها صغيرة فالنظر هنا ليس للمعصية أو الذنب ومقداره بل إلى من عصيت؟

ومع هذا قد تكون الذنوب الخفية التي بيننا وبين الله يمسها لطف الله بالعفو والمغفرة، بعكس تلك التي تحدث مجاهرة والتي تجعل العين تراها من كثرة المجاهرين بها وكأنها شيء مباح فعله وشيء عادي ومألوف، فيكون الناتج الاستهانة بمعصية الله جهارًا.

وبين العبد وربه ربما هناك تجاوزات ورحمات من الفيض الإلهي تنزل على العبد مذ يقرر قرار التوبة والسير لله، ولكن الخوف مما يكون بينه وبين العباد فهنا لابد للعادلة أن تأخد مجراها بأخد الحق حتى لو كلفته كل حسناته.

ويبقى الحذر كل الحذر من الذنوب التي تتعجل عقوبتها ومنها ما ورد عن رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: ثلاثةٌ مِنَ الذُّنوبِ تُعَجَّلُ عُقوبَتُها ولا تُؤَخَّرُ إلى الآخِرَةِ: عُقوقُ الوالِدَينِ، والبَغيُ على الناسِ، وكُفرُ الإحسان.

وأيضًا ما قاله الإمامُ عليٌ‏ عليه السلام لَمّا سُئلَ: أيُّ ذَنبٍ أعجَلُ عُقوبَةً لِصاحِبِهِ؟ فقال: مَن ظَلَمَ مَن لا ناصِرَ لَهُ إلّا الله، وجاوَرَ النِّعمَةَ بالتَّقصيرِ، واستَطالَ بالبَغيِ على‏ الفقيرِ.

وهناك قاسم مشترك بين الروايتين وهو مقابلة الإحسان بالإساءة، ونحن للأسف نعمل هذا الذنب مع ولي نعمتنا وصاحب زماننا (عج) حين نقابل وجوده الحامي لينا من الهلاك بالإهمال وعدم الاحترام فلولا وجوده لساخت بنا الأرض، هو يدعو لنا بأسمائنا ونحن نبخل عليه بذكر اسمه الشريف ضمن أدعيتنا.

هو يحمل همومنا وأحزاننا ويكون معنا حتى لو غيّبته ذنوبنا لكنه مع هذا هو الغائب الحاضر الذي يحضر حال احتياجنا له بالشدد ويُخرجنا منها دون أن نعي حضوره وشهود بركاته فيها.

نحن عندما نحب أحدًا يكون هناك مكانة خاصة له بالقلب لدرجة أن لساننا لا يسأم من الحديث عنه، فهل نحن نحب إمام زماننا حقًا ولا نسأم من الحديث معه وعنه ونهمس لكلمات الدعاء لتأخد حاجته أولًا قبل حوائجنا وحوائج أحبتنا؟

هل نحادثه بمكان خاص بعيدًا عن الضوضاء كما يتحدث العاشقون؟ هل نهديه هدايا خاصة وفاخرة كما نهدي من يعزون على قلوبنا؟

هل نجعله الوسيلة لدعائنا بحق أنفسنا ومن نحب، أم نجعله الغاية التي لأجلها ندعو للوصول له ونستخدم كل الوسائل الممكنة للالتحاق به وبركبه؟

يا شهر الله بيومك الثالث والعشرين الذي كان امتدادًا لليلة هي سلام عليه حتى مطلع الفجر لتكون بداية سلام لنا لسنة روحية لأرواحنا وإن سألت عن تمرة إفطاري فيه فلا أختار فيه تمرة إفطار إلا من يده المباركة لعل نظرة منه تقلب وجودي لأسير نحو بوصلة وجوده ليكون هو الماء الذي أشرب والغذاء الذي أتناول والهواء الذي أتنفس والشفاء الذي ألتمس.



error: المحتوي محمي