الجريمة البشعة التي حدثت في صفوى العزيزة لم يكن سببها مادة الشبو، فهذه المادة هي الأداة فقط والتي دفعت الجاني لارتكاب الفاجعة. السبب الحقيقي أكبر من أن نختزله فيها أو في لحظة اللاوعي أو فقدان الإدراك مع أني لا أظن ذلك دقيقًا، فمن يخطط وينفذ بهذه الدقة لابد أن يكون في كامل إداركه ووعيه، ولكن ما لا نعلمه هو كيف ينعدم لديه الإحساس للدرجة التي ينزع فيها المخلوق آدميته وإنسانيته ويتلبس بعدوانية شرسة جدًا لم نرها حتى في أعتى الحيوانات افتراسًا وشراسة.
مادة الشبو بريئة من الجرم وحالها حال أي مادة أخرى تستخدم لأغراض سلمية أو إجرامية، مع أني لم أقرأ عن فوائد لها ولا أريد ذلك.
وأيضًا أقول بأن مرتكبي هذه الجرائم لا يتحملون وحدهم ما حدث ويحدث كل فترة، وإن كانوا سيتحملون العواقب بارتكاب الجرم، ولكن علينا أن نحمل وبكل صراحة مجتمعاتنا الجزء الأكبر مما وصلنا إليه، فشبابنا جميعًا هم من أسر وعوائل وقبائل قامت افتراضًا على تربيتهم ورعايتهم والاهتمام بهم ومراقبة سلوكهم حتى كبروا وبلغوا مبالغ الرجال وهنا ينتهي دورهم تربويًا، ولكن قبل أن نضيف يبرز سؤال مهم وهو: كيف كانت هذه التربية وما مدى الجدية التي اتبعها أولياء الأمور فيها؟ وهل تابعنا نحن الآباء والأمهات أبناءنا أولًا بأول وأثنينا عليهم إن أحسنوا أو زجرناهم على أفعالهم إن أساءوا؟ هل نحرص على أن نعرف أصدقاءهم؟ هل نسألهم من أين لك هذا؟ وأين أنت ذاهب ومن أين أن آت؟ هل نتابعهم ونجلس معهم ونوجه لهم النصائح خاصة في صغرهم حيث تترسخ لديهم القوامة والاستقامة ويتجذر فيهم السلوك الحسن والمفاهيم الدينية والأعراف الاجتماعية الأصيلة مرحلة مرحلة من الصغر وحتى البلوغ.
يخيل لي هنا أن بعض أولياء الأمور لا يجيدون شيئًا سوى مشاريع التفريخ ثم الإهمال للأبناء بحيث إنهم لا يعلمون عنهم شيئًا بالمطلق، بل ويجهلون حتى أسماء بعض أبنائهم.
وهذا الأمر ليس غريبًا؛ فرجل همه نفسه وبطنه فقط، والباقي بين الأصحاب والتسكع في الاستراحات والديوانيات دون مراعاة لبيته ومن هم فيه متخليًا عن مسؤوليته الخطيرة في تربية الأبناء والبنات.
أتذكر أن إحدى بناتي وحين كانت طفلة وهي أم الآن وفي إحدى زياراتنا للمدينة المنورة صلاة الله وسلامه على ساكنها كانت ترغب في اقتناء إحدى الألعاب فأخذتها وجربناها قبل الشراء وحين اشتغلت رفضتها البنت مباشرة وهي تبكي وحين سألناها قالت إن فيها أغاني وموسيقى وألحال أن الموجود فيها هي أنشودة “يا طيبة يا طيبة”.. وهذ الأمر هو أبسط الأمور التي تترسخ في ذهن الطفل ويظل معه بصورته الحقيقية سواء كان حسنًا أم قبيحًا.
من الخطأ والمغالطة أن نستثني المجتمع أو شريحة من انحراف بعض الأبناء، فلو اهتم كل منا بأسرته وحرص على تربية من فيها التربية الصحيحة دينيًا وسلوكيًا وأخلاقيًا، وأبعدهم عن الدلال الزائف وخلق فيهم الروح الإنسانية الحقة سواء أولاد أم بنات لأصبح لدينا مجتمعات فاضلة لا نخشى عليها لا من شبو ولا من جميع أنواع المخدرات والمسكرات.
إن القوانين الصارمة التي تحكم هذا البلد الأمين، لا تستطيع وحدها أن تردع المخالفين لها إذا لم تتعاون الأسر والمجتمعات معها في تقويم السلوك، فلا المدارس ستمنع ولا المساجد ولا المحاضرات مادام الأساس فاسدًا من البداية، فالنبتة لن تنمو بالصورة الحقيقية التي نريدها فيها أن تزهر وتثمر.
لنكن واقعيين مع أنفسنا ونعترف بالحقيقة المرة التي تواجهنا، فنحن غافلون ولاهون بمشاغل الحياة أو بزخرفها، وندلل أبناءنا وبناتنا كثيرًا دون مرعاة ولو بالحد الأدنى من ضمان استقامتهم وقوامتهم والحجة هي أنهم الآن كبار ويعرفون مصلحتهم والنتيجة هي ما نسمع ونقرأ ونشاهد من فواجع نتفاجأ بها كل يوم وبتراجيديا مأساوية متنوعة لن تنتهي حتى نقف عليها جميعًا ونحد منها وننهيها بالتعاون مع المسؤولين في وطننا العزيز، غير ذلك فإن الأمر سوف يتفشى وينفلت ولن نستطيع السيطرة عليه وهو ما لا نريده أن يحدث إطلاقًا.