مسابقة اليوم!

هناك عنصر جاذب بالمسابقات لأن في نتائجها هناك إحساس مبهج بالتفوق حال الفوز فيها، إما للفوز بجدارة بسبب تفوق في المعلومات أو الأداء أو الابتكار وغيرها، أو أن يكون تفوقًا بالحظ الذي عليه أغلب المسابقات التي تكون “فيك” -مزيفة- والتي لا تستدعي بذل الشيء الكثير للمشاركة فيها فقد يكون منها حصد أعداد من المتابعين.

منذ كُنا صغارًا ونحن نرى ونسمع عن المسابقات الرمضانية وقد تكون رمضانية حقًا لارتباطها بالقرآن الذي هو اسم من أسمائك الذي يسمونك فيه شهر القرآن، وقد تكون غير ذلك وبعيدة عنك بضجيج صوت استعراضها وفنها المزعوم الذي لا يتلاءم معك، والحمد لله أنها اندثرت تقريبًا.

ولكن إن جئنا للواقع نحن فيك في مسابقة لا تحتاج منا مقابلًا للاشتراك فيها فمجرد تنفسنا أنفاسك فنحن داخلين في مسابقتك التي تيأس أي مسابقة بالعالم تقديم جوائز كجوائزك.

جوائزك تحمل بُعدين؛ مرئي وغير مرئي، فالمرئي منها قد نرى أثره في حياتنا بالدنيا وخلال سنتنا القادمة علينا ففيك بداية التقويم لأرواحنا، والبُعد الآخر مذخور لنا ومغلف بتغليف مُفاجئ بالآخرة فإما أن تكون المفاجأة بفتحه سارة أم تكون مفاجأة مزعجة تكسوها الحسرة على التفريط بتقديم الأفضل لمسابقتك.

نحن في سباق العلم والعمل فيك فلا يصح عمل فيك دون علم صحيح يستقى من مصادر الحق سواء بالقرآن الصامت أو من يمثلون القرآن الناطق.

المشكلة حين نستقي العلم خاصة بأمور الدين من منصة الواتساب دون تحقق والتعجل بنشرها، اليوم وصلني أمر شككت فيه ولم يدخل لعقلي وهو كيف يُعد وضع القرآن على الرأس بدعاء التوسل به انتهاكًا له؟

فهناك من يصوغ بعض الأمور بتصرفه بحسن نية وينشرها وهناك من يعمل بقوله دون تثبت، والحمد لله فأصحاب الشأن يسارعون لتصحيح الأمر ونفيه.

أعود لمسابقتك الكبرى التي تبدأ بمغيب شمس يومك هذا حتى طلوع الفجر، هي فرصة العمر التي لا تعوضها أي ليلة، فهي المنحة التي مُنحنا إياها ببركات نبينا (ص) تعويضًا عن قصر أعمارنا فكانت بمقياس الزمن تساوي ليلة لكنها بمقياس ربنا الرحيم خير من ألف شهر.

وبغض النظر عن إخفائها لحكمة عمل العاملين بليالي القدر لإدراكها ولكن نورها اليوم زاهٍ جدًا وروحانيتها عالية بأصوات الداعين العالية الذين تركوا كل شيء من انشغالاتهم لينادوا ربهم: “سبحانك يا لا إله إلا أنت الغوث الغوث خلصنا من النار يا رب”.

هي من يتسابق فيها المتسابقون أيهم يصل لأبواب السماء المفتحة أولًا ويُفتح لدمعة توبته ما يشاء من كنوز وحوائج ومطالب ذكرها بلسانه أم بقلبه وحتى بخواطر نفسه.

لكن أتعلم أظن أن الفوز ليس فقط هو اعتقاد وصول الدعاء للسماء فهي برحمة الله مفتوحة للداعين بل بانتقاء أجود الدعوات التي ندعوها وتنالنا بركاتها بالدنيا والآخرة، وأعلم أن الوصول ليس سهلًا فقط بصوت الخشوع والدموع وإن كانت ضرورية لاستشعار الفتح ولكن هل نضمن أنها تجاوزت عقبات الحُجب التي تحبس دعاءنا من الارتفاع بإعلان توبتنا منها؟

والذنوب الموجبة لذلك على ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام: “سوء النية والسريرة، وترك التصديق بالإجابة والنفاق مع الإخوان وتأخير الصلاة عن وقتها”.

علينا أن نحرر أدعيتنا فيك من حبسها وخير من نلجأ له لمساعدتنا لفك حبسها هو رهين السجون والطوامير مولانا الكاظم (ع) نحتاج أن نتعلم منه كيف كان محررًا وهو في قعر السجون حين يأنس بسجدته الطويلة والتي لا نستبعد أن الذكر اليونسي كان رفيقه بحبسه.

﴿لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَك إِنِّي كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ذكر امتطى جواده حبيس الحوت يونس (ع) فخلّصه من حبسه، وهذا الذكر اهتم به العرفاء وعلماء الأخلاق كثيرًا واعتبروا المداومة عليه تفتح آفاقًا أمام السالك.

وإذا ركبنا سُلم فتح حبس دعائنا ببركات مولانا الكاظم (ع) فنحن نحتاج من يُرشدنا للطريق ويهدينا إلى ماذا ندعو وماذا نطلب في هذا السباق الخطير الذي سنندم غدًا إن لم نستغل لحظات الدعاء وإجابتها لندعو بدعاء يُعطينا الزاد بحياتنا الدنيوية والأخروية، فهل نطلب المال أم الأولاد أم السكن أو الأعمال وكلها ملحقات بالدنيا لا الآخرة.

هنا يأتيني كلام من تسمى الهادي لجميل هدايته بمن حار بطريقه لتتمثل الزيارة الجامعة بلسانه (ع) ويكون الدعاء المنشود الذي أبحث عنه هو: “فَثَبَّتَنِي اللَّهُ أَبَداً مَا حَيِيتُ عَلَى مُوَالاتِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ وَوَفَّقَنِي لِطَاعَتِكُمْ وَرَزَقَنِي شَفَاعَتَكُمْ وَجَعَلَنِي مِنْ خِيَارِ مَوَالِيكُمُ التَّابِعِينَ لِمَا دَعَوْتُمْ إِلَيْهِ وَجَعَلَنِي مِمَّنْ يَقْتَصُّ آثَارَكُمْ وَيَسْلُكُ سَبِيلَكُمْ وَيَهْتَدِي بِهُدَاكُمْ وَيُحْشَرُ فِي زُمْرَتِكُمْ وَيَكُرُّ فِي رَجْعَتِكُمْ وَيُمَلَّكُ فِي دَوْلَتِكُمْ وَيُشَرَّفُ فِي عَافِيَتِكُمْ وَيُمَكَّنُ فِي أَيَّامِكُمْ وَتَقَرُّ عَيْنُهُ غَداً بِرُؤْيَتِكُمْ”.

يا شهر ربي من اليوم الثاني والعشرين شعرت بحرقة انقضاء أيامك وتصرم لياليك سريعًا لهذا كانت تمرة إفطار اليوم فيك تحتاج ليدين مباركتين لإماميّ الكاظم والهادي عليهما السلام ليباركا لي فيما تبقى منك من أيام وليال، وأرجو بحقهما أن أفوز بمسابقتك وتكظم غيظك عني لكثير تقصيري معك وتهديني لما يُخرجني منك كما ولدتني أمي ويقال لي استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى.



error: المحتوي محمي