أنت غني أم فقير؟!

حين يتعلق الأمر بالغنى والفقر فالذهن يذهب لمقدار ما يملك من أموال وممتلكات ولكن مع الزمن قد يتغير هذا المفهوم حسب رؤية الشخص وتفكيره.

وهنا أضرب مثالًا حصل لي في بداية تعارفي مع إحدى الزميلات حيث سألتها هل لديك إنستقرام؟ فأجابتني جوابًا أثار استغرابي؛ قالت: هل أنا فقيرة حتى لا يكون لدي إنستقرام!

كان سؤالي لزيادة المعرفة لأنه حتى تتعرف على شخص لا يكفي أن تسأل عن اسمه أو رقمه أو منطقته أو تخالطه مخالطة بسيطة، الآن أصبحت وسائل تواصلنا تكشف عن شيء من هويتنا التي نُعرّف بها أنفسنا أمام الآخرين، فالشخص الهادئ مثلًا أمام الناس قد لا يكون كذلك في وسائل تواصله، لأنها قد تكشف شيئًا مستورًا من جوانب شخصيته التي لا يظهرها مباشرةً، لكنه يُظهرها أمام العالم الافتراضي، فكما يقال: قل لي ما تقرأ أقل لك من أنت؟، كذلك نستطيع القول في وسائل التواصل قل لي ماذا تنشر وتتابع أقل لك من أنت؟.

لكن لم أتوقع أن يكون لوسائل التواصل علاقة بالغنى أو الفقر فهناك من يكونون ذوي حالة مادية ضعيفة ومع هذا يملكون هذه الوسائل، وحتى لو لم يكن هناك استخدام دائم في حال عدم توفر الإنترنت، في النهاية ربما تكون لدى البعض مهمة وتكون لدى البعض الآخر غير مهمة ولا تؤثر بسير الحياة، ولكن ليس عدم امتلاكي لحساب بالإنستقرام أو الفيس بوك أو السناب شات دليل فقر أبدًا، بل ربما بالعكس ربما نرى من لا يملكها مرتاحًا، ولديه فسحة وغنى في الوقت والثقافة والمهارات أكثر منا.

وهناك غنى جميل بعيد كل البعد عن الأموال والممتلكات ويجلب السعادة والبهجة التي يبحث عنها الأغنياء ولا يجدونها بالمال أبدًا.

في ميلاد الإمام أمير المؤمنين (ع) في رجب هذا العام كان رقمي من ضمن من ربح عيدية من ميلاده بإحدى الحسينيات، كان مقدارها 50 ريالًا، لكنها كانت لدي مليار ريال، ولم تسعني الفرحة بها، لهذا كنت أقول لإحدى صديقاتي هل تعلمين أنني اليوم أصبحت غنية؟ فقالت لي كلمة جميلة قبل أن تعلم لماذا أصبحت غنية، قالت: أنتِ غنية بالأساس بولايتك لأمير المؤمنين (ع)، وبالفعل نحن نشعر بالغنى بكل شيء يتعلق بأمير المؤمنين (ع) وحبه مهما كان بسيطًا فمجرد حلول بركة اسمه عليه يغدو شيئًا عظيمًا.

فحتى لو كنا نعلم أن حبه سيجعلنا نلبس جلباب الفقر، وسيعادينا عليه من يعادي، وربما نُشرَّد ونُقتَّل فقط لجريمة حبه، لكن يكفينا شعور الغنى به الذي هو بالفعل يُغنينا عن كل شيء.

بالأمس فقط وجدت خبر استشهاد 31 من الموالين بأفغانستان بأحد المساجد ومعهم 86 جريحًا، ضُربوا في وقت الصلاة وبنفس ليلة إمامهم ليلتحقوا به.

مسلمون يؤدون صلاتهم، قل لي ما هي جريمتهم غير حب علي وموالاته؟

حب علي ليس حبًا نكتسبه من آبائنا وأمهاتنا فقط، فهو نعمة عظمى أن نكون من آباء وأمهات يوالون عليًا ويحبونه، ولكن لابد من شكر هذه النعمة بتغذيتها وإروائها وعدم الاكتفاء بعامل الإرث العائلي لأنه مع فتن الزمن قد يتزلزل إذا لم يكن عن اعتقاد وتمسك ثابت.

نحن بأيامك وليالي قدرك يا شهر الله، الأحوج لهذا الحب؛ فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “حب علي بن أبي طالب عليه السلام يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب”.

وكذلك قال: “لو اجتمع الناس على حب ابن أبي طالب لما خلق الله عز وجل النار”، وقال: “إن ملك الموت يترحم على محبي علي ابن أبي طالب كما يترحم على الأنبياء (ع)”.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “أيها الناس. من أراد أن يطفئ غضب الله وأن يقبل الله عمله فلينظر إلى علي ابن أبي طالب عليه السلام، فالنظر إليه يزيد في الإيمان، وإن حبه يذيب السيئات كما تذيب النار الرصاص”، لكن كيف ننظر لوجهه هذا اليوم وضربة ابن ملجم قد اخترقت جمجمته ووصلت لموضع سجوده فاصفر لونه فهل لنا طاقة لنرى نور والدنا مخسوفًا هكذا؟

علي (ع) يعرف من يحبه، فهو الذي دخل عليه رجل مرة فقال: يا أمير المؤمنين إني لأحبك في السر كما أحبك في العلانية، فنكت بعوده في الأرض، ثم رفع رأسه فقال له: صدقت.. اذهب فاتخذ للفقر جلبابًا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا علي ابن أبي طالب. الفقر أسرع إلى محبينا من السيل إلى بطن الوادي.

من أراد حمل حب علي بصدره وجعله يتحرك في عمله فليتحمل سهام الفقر والظلم والقتل والتشريد من كل مكان فحبه ليس سهلًا أبدًا ويحتاج قلبًا صبورًا يشايع فيه صبر مولاه الأول في قاموس الظلامات ولهذا نقرأ في إحدى زياراته المطلقة: اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، أنْتَ أوَّلُ مَظْلُوم، وَأوَّلُ مَنْ غُصِبَ حَقُّهُ، صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ حَتّى أَتاكَ الْيَقينُ.

ماذا عساي أن أقول لك عن ظلامة علي (ع) وهو من ارتحل في يومك هذا لتكون ليلته ليلة القدر الحزينة.

فإذا كانت فاطمة الزهراء (ع) هي ليلة القدر ومن يعرفها يُدرك ليلة القدر فلا كفؤ لفاطمة غير علي (ع) ليجتمع معها تحت اسم ليلة القدر الحزينة.

ولن تكون ليلة القدر هي الحزينة فقط لفراق فاطمة وعلي اللذين شملتهما أسرار ليلة القدر الخفية فقط  بل سيكون الوجود حزينًا لحزن أيتام علي الذين لم يكونوا فقط هم من أولاده وبناته بل كل الأيتام الذين رأوا فيه نعم الأب الحنون الذي عوضهم عن فقد أبيهم، لا بل كل الأيتام الذين أصبحوا اليوم أيتامًا بفقد أبوّته وأبوّة رسول الله (ص) فهما أبوا هذه الأمة.

تمرة إفطار اليوم الحادي والعشرين فيك يا شهر الله هي بالطبع من يد الأب الحنون علي (ع)، والتي بها نصبح نحن أغنى من في الوجود، في أرواحنا وأجسادنا لأنها من يده العطوفة التي لا تتأخر عن تقديم الغوث لمن ناداه ولو بضعيف صوته:

نادِ عليًا مُظهر العجائبِ
تجده عونًا لك في النوائبِ

كل هم وغم سينجلي
بولايتك يا علي يا علي يا علي.



error: المحتوي محمي