في نظر بعض المختصين.. شلون نحافظ على الكلية؟!

الحديث عن أمور تمس سلامة الناس وصحتهم تحتاج إلى تقييم من مختصين يستندون إلى أسس ومراجع طبية وعلمية سليمة في إطار القوانين والضوابط الصحية، وحينما ينشر رأي مخالف لتلك الضوابط يصبح هناك جدل وصورة غير واضحة قد تتسبب في أذهان الكثيرين بما يُعْرف بـ”اختلط حابله بنابله”. والسؤال الذي قد يتبادر إلى الأذهان بعد قراءة هذه المقدمة هو: ما علاقة ما جاء به من حديث عن الضوابط الصحية بعدم وضوح الصورة، وهل يمكن أن يكون هناك تجاوز من متخصص لتلك الضوابط الصحية؟! ويأتي الجواب: نعم، هذا ما حدث فعلاً، لعل من المناسب أن أبدأ القول حول ما ذهب إليه الدكتور صاحب المادة الإعلامية المتداولة والتي تضمنت تساؤل: شلون أحافظ على كليتي؟ وهو ما استوقفني ودفعني دون تردد كبير إلى الرد على حيثيات ما جاء في المقطع من أجل أمرين مهمين: الأول الوقوف أمام ظاهرة مغلوطة أثارت زوابع بين الناس، وتحتاج إلى تصويب. والثاني – هو تبصير أبناء المجتمع بالأضرار الناجمة من جراء نشر مثل هذه المقاطع، وأيضاً التعريف بأبعاد المشكلة.

ولرسم صورة واضحة نحن هنا في موقع المسؤولية والمعالجة الصادقة تجاه مجتمعنا الطيب، وبلدنا المعطاء، والهدف من ذلك هو محاولة تغيير المفاهيم والحقائق المغلوطة، وقبل الخوض في الحديث عن مفهوم الأمانة العلمية، يحسن بنا تقديم هاتين الظاهرتين:

• نشر مفاهيم خاطئة في مجال السلامة الصحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل مكاسب مادية هو خلاف الاستقامة بمعناها الأخلاقي العميق.

• إطلاق مزاعم غذائية تتعلق بالصحة والسلامة، يندرج في نظر الجهات الرقابية تحت نوع من الخداع والتضليل. الدكتور المتحدث في الفيديو المتداول هو من أهل الاختصاص “اختصاصي تغذية علاجية ورياضية” وله مسيرة حافلة ونشاط مستمر في المجال التوعوي الصحي، تميَّز بإطلالاته الإعلامية عبر قنوات التواصل الاجتماعي، وكنت على مدى سنوات من متابعي الدكتور في معظم ما يطرحه من توصيات وظواهر وقضايا صحية وتغذوية، فلا بد أن أسجل هنا إعجابي ببعض المقاطع التي تتطرق إليها مسبقاً؛ إلا أن في الفترة الأخيرة لاحظتُ بعض المقاطع تحمل في طياتها سلوكاً لم يكن موفقاً، ويفتقر إلى الدقة والموضوعية والاتزان، فوجئنا مع الذين فوجئوا، أصناف غذائية مستهدفة تأخذ نصيباً وافراً من حجم المادة الإعلامية، إن من يتأمل تركيزه الملفت في وصف المنتج المصنع، لا يحتاج إلى عارف متعمّق لكي يدرك أن الإعلان أعطانا صورة من صور الترويج التجاري؛ والذي له أثره البعيد والعميق على صحة وسلامة المستهلك، وكنت أتمنى من الدكتور ألا يلجأ إلى هذا السلوك الذي فيه تجاوز للقيم والاستقامة بمعناها الأخلاقي العميق، فلم تكن لدي الرغبة أو لم تستدعي الظاهرة الرد والتعقيب على كل ما يطرح عبر قنوات التواصل، رغم تحفظي على بعضها، وحينما وجدت في هذا المقطع سلسلة من التجاوزات التي لا يمكن إدراك مداها وحجمها فقد تصل إلى حد الإضرار بصحة الناس، كونها تحمل الكثير من الادعاءات الباطلة والنتائج المضللة، فهل الهدف من هذا كان بالدرجة الأولى ما يعرف بـ”الثقافة السوقية” الفكر السائد لدى الكثير من الناس؟ وقد يكون الدكتور مارسه من حيث يدري أو لا يدري! صار لزاماً عليّ أن أشير إلى الحقيقة المقترنة بالدقة العلمية والخبرة، ووضع قيمة الإنسان وصحته هدفاً أساساً فوق كل الاعتبارات المادية والمعنوية، من هنا فإن الدقة العلمية تقول: الماء هو المشروب الأساسي، وعنصر حيوي وضروري، لأنه يمكّن الجسم من تأدية وظائفه الطبيعية ويتخلص من المواد السامة في صورة البول والعرق؛ ولكن علينا أن نعلم أي ماء نشرب؟ وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن المياه المعدنية التي أشار إليها المتحدث لها تأثير طبي يشبه تأثير الأدوية، لذلك من الضروري عدم استعمال المياه ذاتها دوماً؛ كونها خلاف التوصية التي أشار إليها المتحدث، فالتعود على شرب هذا النوع من المياه له آثار ضارة على الكلى! والإشارة إلى خلوها من السعرات الحرارية أو “0%” سكر هو إيحاء خاطئ كونه مليء ببدائل السكر أو المحليات الاصطناعية وهي مواد مدمرة للكلى. وهل صحيح أن البيرة تجنّب الإنسان الإصابة بالفشل الكلوي؟ هذه هي التوصية الأخرى لمشروب الشعير الخالي من الكحول “البيرة”، وهنا أراد المتحدث توجيه الإعلان أكثر فأكثر نحو العلامة التجارية؛ ليظهر حسناتها، ولكي يدفع المستهلك لتغيير سلوكه الشرائي، والتركيز على المنتج تحت شعار “تحسين وتنشيط وظائف الكلى والمحافظة عليها”. لا ينكر العلم أن للشعير فوائد صحية، فهناك دراسات تؤكد تأثيره في إذابة حصى الكلى والمثانة وطرد الرمال المترسبة في الكلية والمجاري البولية، لكن الأمر يتعلق بمغلي حبوب الشعير بصورته الطبيعية، وليس كمشروبات مكربنة “فوارة” مليئة بالمضافات الاصطناعية، حتى لو كان اسم المنتج يوحي بأنه طبيعي “شراب شعير خالٍ من الكحول” كما أن الإشارة أيضاً بقليل السكر تعني استبدل السكروز بالمحلى الاصطناعي الشديد الخطورة على الكلى.

ونحن نعرف أن الكثير من المستهلكين لديهم من الوعي الصحي ما يكفي لرفض مثل هذه الأكاذيب الفاضحة، فقراءة مكونات المنتج تكشف لنا حجم المضافات الاصطناعية وما تحمله من مخاطر نحن في غنى عنها، هي مسألة تحتاج إلى توقف!، فمثل هذه المشروبات تحتوي على كميات كبيرة من الطاقة وقليل من العناصر الغذائية، واستهلاك كميات كبيرة منها قد يسبب الجفاف وضرر الكلى، فالماء دائماً هو الأفضل، وهي التوصية الأولى والحسنة الوحيدة في المقطع، فالماء يعمل على غسل الجسم من شتى السموم ومنع تشكل الرواسب والحصيات في الكليتين، ومستحب أكثر للمرضى الذين يعانون من تكون الحصوات في المسالك البولية، بينما شراب الشعير أو البيرة مثلها مثل المشروبات السكرية والغازية لها تأثير مدمر على الصحة. جميع المشروبات المصنعة تحتوي على إضافات اصطناعية شبيهة بالدواء، مما يؤدي إلى إضعاف قدرة الكلى على التخلص من سموم الأطعمة المشبعة بالكيماويات.

وفي آخر المقطع أشار بشكل سريع إلى مجموعة من الخضروات والفواكه الطازجة (البقدونس والثوم والزنجبيل والكركم والفجل الأحمر والبطيخ والتوت والليمون) أسلوب إقناع يستخدم ضمن طرق الخداع عن قصد أو من دون قصد، ونحن لا نحتاج إلى توصية لمثل هذه الأغذية الحية، وأيضاً أشار إلى العصائر المحفوظة ودورها التغذوي في المحافظة على وظائف الكلى، بينما المشروبات المصنعة مليئة بالمحليات الاصطناعية والمواد الحافظة والنكهات والألوان الاصطناعية، وعندما يحتوي المشروب على هذين المكونين: ثاني أكسيد الكربون وحمض الفوسفوريك، هنا يندرج الشراب المصنع ضمن المشروبات الغازية، فكثرة شربها، تضعف العظام، كما أن ثاني أكسيد الكربون الموجود في المشروب عندما يدخل الجسم ويلامس الماء في الدم، يكثر حمض الكربون، وقد يؤدي إلى اعتراض الكالسيوم الآتي من الطعام، والمتجه نحو العظام إلى ضعفها، ويقول روبرت هيني، عالم الهرمونات في جامعة كرايتون: إن الإكثار من المشروبات الغازية يمكن أن يسبب أيضاً تعطيل عمل بعض أعضاء الجسم، ويرى هيني أن ثمة مواد أخرى في المشروبات الغازية تدفع الكليتين إلى سحب الصوديوم من الدم مما يتسبب في اختلال توازن الأملاح في الجسم، هذه المكونات مدمرة للكلى، واستخدام أسلوب الترويج لهذه المشروبات بأنها تحافظ على سلامة الكلى يندرج تحت “مزاعم غذائية تتعلق بالصحة” وهذا يعتبر نوعًا من التضليل والخداع لا يسمح به حسب اللوائح الفنية والمواصفات القياسية، وقبل كل ذلك مقاييس الدين بأحكامه الشرعية والموروث الأخلاقي.

وختاماً، نشير إلى أننا لم نكن في هذه المقالة بصدد الخروج عن النقد الملتزم لمختص في هذا المضمار، بل كان هدفنا لفت النظر إلى مسائل بالغة الأهمية في ظل انتشار مرض الفشل الكلوي. وهنا مكمن الخطر!

منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات.



error: المحتوي محمي