يُخطئ من يظن أن الطلاق متعلق فقط بالمتزوجين الذين باء زواجهم بالفشل ووقف لديهم خط التعايش والتأقلم على مشاركة الحياة مع شريك فيها.
فالطلاق تحرر من كل عقد نوقع عليه دون أن ندري من كثرة تعلقنا واعتيادنا عليه، فكما نقول مُطلقة ونعني أنها متحررة من عقد الزواج، فهناك من يُطلّق عادة سيئة وذنبًا اعتاد عليه ليكون طلاقه يأخذ معنى التوبة التي تكسيه التحرر وخاصة في أيامك ولياليك التي بدأ توهج نورها أكثر واكتست بميزة التغيير والتبديل بالقدر.
لكن دعني أعود للطلاق المعروف لدينا لأخبرك أنه تمر علينا بعض أرقام الطلاق بين المتزوجين التي لا نُعيرها اهتمامنا من صعوبة قراءتها لطولها، وأحدث رقم وجدته سهل القراءة لهذا العام أنه تحدث 7 حالات طلاق بكل ساعة في السعودية وهو أمر يستحق الحديث والتأمل.
وربما ما جعل الأمر يستدعي التأمل لدي أنني اكتشفت أن ثلاثًا من زميلاتي بالدراسة التي لا يتجاوز عددنا فيها العشر طالبات هن مطلقات وهو شاهد حي لتمدد هذه الظاهرة وكثرتها.
أحزنتني إحداهنّ التي تملك طفلًا وطفلة لايزالان صغيرين والتي كانت تريد فقط من طليقها أن يشعر ابنيها أنه موجود ومهتم بهما ويتناسى مسألة الطلاق بينهما ليعرفا أن لديهما أبًا مثل باقي أقرانهما فهي مهما حاولت أخذ الدورين معًا فلن تصل لسد الحاجة لوجود الأب في حياة أبنائه.
وأعظم مشكلة تنم عن جهل المتزوجين حين يتطلقون هو أن يجعلوا الأبناء ضحية لتفريغ غيظهم على الطرف الآخر ويضعون فطرة الأمومة والأبوة جانبًا وعلى قارعة الطريق يدوسها من يدوس بالخارج ليبني عُقدًا نفسية في قلوب أبنائهم.
وهذا بالطبع يحصل بالعلاقات الأخرى كالصداقة التي كانت بالأمس قريبة جدًا وانفصلت عروتها اليوم ليكون الخصام الذي يلبس لباس المباح بكل شيء فتبيح له العدواة مع كل شخص وأمر يرتبط بالطرف الآخر ويبيح له كشف أسراره ويصل للإساءة إلى العرض والدين والافتراء وتدبير المكائد له وغيرها.
ليس خطأ أن نحب شريك الحياة أو صديق العمر ولكن الخطأ أن نتعلق به حد الجنون والذي يجعلنا نتنازل عن كل شيء ونراهن على دوام حبه ثم ينكشف لنا ضعف هذا الحب ووهنه بموقف هزيل يُفضي للقطيعة وهدم كل رابط إلى أن يصل الحال للفجور في الخصومة التي يقول أمير المؤمنين علي (ع) عنها: “من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصّر فيها ظلم، ولا يستطيع أن يتقي الله من خاصم”.
نحن نبالغ في حبنا ونبالغ كذلك في بغضنا بدرجة لا وسطية فيها ولا تعديل للميزان فيها حيث لا نسمع قول أميرنا علي (ع) وتحذيره لنا حين قال: “أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما”.
كم نرى بحياتنا من كانوا يتفاخرون بحبهم عبر مظاهر خادعة لا تكون دليل حب أبدًا وفجأة نرى كلمة الطلاق هي التي تجمعهم، وهذا لأن الحب لم يكن لله فكان العشق هباءً بالقلب وهذا ما أجاب فيه مولانا الصادق (ع) حين سأله أحدهم عن العشق فقال: قلوب خلت عن ذكر الله، فأذاقها الله حب غيره.
وبواقعنا الرجل المُطلق لا بأس به ولا حرج عليه مهما فعل، أما المرأة المطلقة فعليها خطوط حمراء كثيرة يُمنع من الاقتراب منها حتى لو لم تقترف أي ذنب سوى الابتعاد عن حياة جلبت لها الشقاء ولا طاقة لاحتمالها.
والعجيب أن هناك مطلقة وبائنة في طلاقها بالثلاث إلا أن الكثير يعرض عليها الزواج من جميع أصناف البشر المتزوجين وغير المتزوجين بكل لحظة ودون تحرج من الزواج بمطلقة أمير المؤمنين (ع) والذي يروي عنه من رآه وقال: “رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اَللَّيْلُ سُدُولَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضٌ عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ اَلسَّلِيمِ وَيَبْكِي بُكَاءَ اَلْحَزِينِ وَهُوَ يَقُولُ يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي أَ بِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ لاَ حَانَ حِينُكِ هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ فِيهَا فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ آهِ مِنْ قِلَّةِ اَلزَّادِ وَطُولِ اَلطَّرِيقِ وَبُعْدِ اَلسَّفَرِ”.
هو من قال عنها (ع): “الدنيا دار الغرباء وموطن الأشقياء” لهذا كان يقول وهو على منبر الكوفة: متى ينبعث أشقاها حتى يخضب هذه من هذه؟
سئم الدنيا وسئم أهلها الذين ملأوا قلبه قيحًا وشحنوا صدره غيظًا لدرجة أوصلته لأن يقول لهم: لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جرت ندمًا وأعقبت سدمًا.
ولا نعلم إن كنا نحن مثلهم في أيامك وأيامه؟ نملأ قلبه قيحًا وصدره غيظًا بانتسابنا له وميلنا لمطلقته التي تُغرينا وما أسهل انغرارنا لها حتى بأبسط الأمور.
يا شهر الله ما أقسى فجر يومك التاسع عشر الذي أفجع الإسلام رزيته وبات أذانه أذان الظلامة التي صرخت من صاحبها لتصدح بصوت جرحه النازف: فُزت ورب الكعبة.
تمرة إفطار اليوم فيك لا أقوى على قول إنها من يد من فاز بطلاقه لدنياه واختياره لقاء الله في بيته لأنه اليوم لا يقوى على الحركة من ضربة هامته ونزف دمه، ولكن أتمنى تلك التمرة من يده حقًا لأستطيع تطليق كل طعام يُبعدني عن البكاء عليه، وتطليق كل قول أو فعل قد يملأ قلبه بالقيح لأكون ضمن من يحي ليالي القدر بذكره.