مِنْ رحمةِ الباري على عبادهِ أَنْ يحجبَ عنهم أشياءً وأموراً كثيرةً رحمةً بهم ولطفًا منهُ جلَّ وعلا عليهم؛ إذ قالَ عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101].
أما عند الانتقال من هذه الحياة الفانية يصبح بصر الإنسان حينئذٍ حديدًا؛ قال سبحانه وتعالى: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22]
مِنْ المعروفِ إنَّ البصرَ العادي الذي نرى مِنْ خلالهِ هو الذي يتكون مِنْ العينينِ وعصبينِ بصريينِ وامتداداتهما إلى خلفِ الْمخِ، وهناكَ بصرٌ يتبعُ الروحَ مفصولٌ عنها وهو البصرُ الحديدِ الذي لم يعرفْ تركيبه لاستحالة رؤيته في هذه الحياة الدنيا، وعند الموتِ وأحيانا قبله ينتهي عمل البصر العادي الذي نرى من خلاله تماما، وعند موت البصر العادي ينشط البصر الحديد المكشوف عنه الغطاء. وأول ما يقوم به هذا البصر الحديد هو تتبع الروح.
ينقل عن د. محمد السقا عيد “استشاري طب وجراحة العيون والباحث في الإعجاز العلمي ” ما مفاده إنَّ البصرَ الحديد هو البصر كثير الحدة أو البصر النافذ؛ وبصر المرء يوم القيامة نافذ لأنهُ مِنْ السهل عليه يومئذ رؤية حقيقة الأمور فلا يتأثر ولا ينخدع بالمظاهر. إنه يوم يكون البصر فيه حديدًا؛ والمبالغة في وصف شيء بالحدة تعطي هذه الصيغة أي “حديد”. كما أنه من الممكن أن يقال “حاد” أو “كثير الحدة“، لكن الله سبحانه وتعالى قال “حديد” ولم يقل غيرها. لذا يسهل الربط بين “الحديد” المقصود منه تلك المادة المنيعة و “الحديد” المقصود منه كثرة الحدة والنفاذ يوم الهول الأكبر.
يوجد على بصر كل إنسان غطاء يمنعه من رؤية أشياء كثيرة، وبعد الموت يصبح بصر الإنسان قويًا بعد أن يُزاح هذا الغطاء عن العين عندها سيرى كل شيء كالجن والملائكة وغير ذلك، حتى أنهُ يرى روحهُ وهي تطلع، وأحياناً يُزاح هذا الغطاء قبل الموت بدقائق أو ساعات؛ لذلك نسمع مِنْ البعض الذين هم على فراش الموت أنهم يرون الملائكة أو أنهم يرون الجنة إنْ كانوا صالحين، فالروح مفصولة عن البصر ويتبعها البصر أينما ذهبت وكأنه جهاز مستقل بذاته، والبصر هنا هو البصر الخارق (الحديد) مكشوف عنهُ الغطاء.
إنَّ البصر الحديد ينشط بعد موت صاحبه؛ أي أن البصر الحديد موجود لدى كل شخص منا منذ أن يولد ؛ لكنه يعتبر نائم ولا يستيقظ إلا عند خروج الروح إلى بارئها ، كما أنَّ البصر الحديد يستيقظ آلاف المرات خلال مراحل حياتنا ، حتى أن الكثير قد رأى من خلال هذا البصر تقريبا ؛ فقد نرى الكثير من الأشياء من خلال هذا البصر ، وكلما زاد صلاح المرء وورعه وزهده في الدنيا زادت في المقابل قوة إبصاره من خلال البصر الحديد ، إنه يستيقظ عندما ننام ، فإن كنت رأيت في أحلامك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو أهل بيته أو أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو رأيت ملائكة أو شياطين أو رأيت الجنة أو النار أو يوم القيامة أو رأيت شخص تعرفه توفي منذ زمن، فعندها تكون قد استخدمت بصرك الحديد.
لو ركزنا فيما سبق سنجد أن البصر العادي ينشط عندما نكون أحياء وينتهي عندما نموت، أما البصر الحديد ينام عندما نكون مستيقظين ويستيقظ عندما ننام، كما أنه يستيقظ اليقظة الأخيرة عندما تطلع الروح أو قبلها بفترة بسيطة وهي اليقظة التي لا يغفو بعدها أبدًا، ومن هنا ندرك سبب قول الرسول (ص): “أن رؤيا الأنبياء حق“، فبصرهم الحديد الذي زادت حدته جداً باعتبارهم أنبياء وصفوة الخلق؛ أي كلما زاد صلاح المرء وورعه وزهده في الدنيا زادت في المقابل قوة إبصاره من خلال البصر الحديد.
وهذا البصر الحديد سيرافقنا في سفر الآخرة الذي له عدة منازل وعقباتيمر بها الإنسان تبدأ بسكرات الموت وشدة نزوع الروح؛ فهذه العقبة صعبة جداً تتوالى فيها الشدائد والصعوبات على المحتضر من كل جانب،يرى فيها رسول الله واهل بيته عليهم السلام وملائكة الغضب قد حضروا ليصدر بحقه حكم مناسب ويرى أيضًا من يرى كإبليس واعوانه وغير اولئك وملك الموت يأتيه، ومما يهون سكرات الموت؛ صلة الرحم وبر الوالدين ، كسوة وإطعام المحتاج، وقراءة سورة يس والصافات عند المحتضر، وصوم اخر يوم من رجب وصوم 24 يوماً من رجب ايضاً له فوائد عظيمة في تهوين سكرات الموت وقراءة سورة الزلزلة.
أما العقبة الثانية التي يمر فيها الانسان هي العديلة عند الموت وتعنيبها العدول إلى الباطل عن الحق وهو بأن يحضر الشيطان عند المحتضر ويوسوس في صدره ويجعله يشك في إيمانه ودينه ليخرجه عن الإيمان، ولكي نتجنب هذه العقبة فعلينا بالمواظبة على أوقات الصلوات الواجبة، وتسبيحة فاطمة الزهراء عليها السلام (34 الله أكبر -33 الحمدالله 33 سبحان الله)، والتختم بالعقيق الأحمر وخصوصًا إذا نقش عليه محمد نبي الله وعلي ولي الله. يقرأ بعد صلاة الصبح وصلاة المغرب سبعا: بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والمواظبة على الذكر: ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب.
نأتي لذكر المنزل الثاني وهو القبر وأول عقبة في هَذِهِ المنزلة ؛ وحشة القبر وهي أول ليلة، فيجب التَّرحم على الموتى بالصدقة وإنْ لَمْ يستطعْ فصلاةُ ركعتين صلاة الوحشة المعروفة في الركعة الأولى الفاتحة وقل هو الله أحد مرتين ، وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب و ألهاكم التكاثر عشر مرات ويسلم ويقول : اللهم صلِّ على محمد وال محمد وأبعث ثوابها إلى قبر ذلك الميت فلان ابن فلان فيبعث الله من ساعته ألف ملك إلى قبره مع كل ملك ثوب رحلة ويوسع في قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور ويعطي المصلي بعد ما طلعت عليه الشمس حسنات وترفع له اربعون درجة، ومن من الا مور النافعة لوحشة القبر أيضًا قراءة لا إله إلا الله الملك الحق المبين 100 مرة كل يوم . وعيادة المريض وقراءة سورة يس قبل النوم.
ثم نأتي إلى العقبة الثانية وهي ضغطة القبر، فكل إنسان يجب أن يمرَ بهذه العقبة عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال : ” ليس من مؤمن إلا وله ضمه “ ، ومما ينجي من ضغطة القبر وعذابه ؛ صلاة الليل ، قراءة ألهاكم التكاثر عند النوم تقي من فتنة القبر، والدفن في النجف الاشرف ، و الوفاة بين زوالي الخميس والجمعة ، رش الماء على قبر الميت ، صيام اربعة أيام من رجب و12 يوم من شعبان.، قراءة سورة الملك ترفع العذاب عن الميت ، القول عند الدفن ( اللهم أني اسالك بحق محمد وال محمد أن لا تعذب هذا الميت 3 مرات يرفع الله عنه العذاب إلى يوم ينفخ في الصور ، عن الرسول (ص) أنه قال: “من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ فيها فاتحة الكتاب وإذا زلزلت الارض زلزالها خمس عشره مرة آمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال يوم القيامة “
وهنالكَ العقبة الثالثة تكون في سؤال منكر ونكير، فقد روي أنَّ الملكينِ (منكرًا ونكيرًا) يأتيان بصورة هولة اصواتهما كالرعد القاصف وابصارهما كالبرق الخاطف يسالانه من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ يسألانهُ أيضًا عنوليهِ؟ يتوجب أنْ يلقنَ الميتَ الشهادتين مرتين؛ مرة عند وضعه في القبر ومرة بعد الدفن، بل ينبغي على أحد مِنْ ذوي الميت أن يبقى معه بعد أنيغادرَ الناس جميعاً وينفرد مع الميت ويضع كفه على القبر ويقَرّبَ فمه من القبر ويلقنه الشهادتين والعقائد مرة أخرى، وروي أن الميت إذا لقن بهذه الطريقة قال منكر ونكير انصرف بنا فقد لقن هذا حجته فينصرفان، وكذلكصيام 6 ايام من شعبان يعطفان عليه منكر ونكير عند مساءلته.
لا يفوتنا أنْ نعرجَ على ماهية البرزخ الذي هو الفترة التي تكون من حين موت الانسان وبقاءه في القبر إلى يوم القيامة وسوف يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ويكتب أجره الذي يفعله وللميت.
وهناك منزلة الآخرة أو القيامة التي يكون هولها عظيم، بل أعظم من كل هول وهو الفزع الأكبر وقد قال الله تعالى في وصفه لها: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ، وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. [الأعراف: 187]، ومنالأعمال التي تدفع بلاء ذلكَ اليوم قراءة والعصر في نوافل كل يوم، كذلك عندما يوفق المرء وبكتب الله عليه الموت وهو في طريقه إلى مكة أو في الحرمين، وإجلال ذي الشيبة المسلم، والكاظم لغضبه، وولاية اهل البيت عليهم السلام، وقراءة سورة القدر سبع مرات على قبر المؤمن.
من إحدى المحطات المهولة في القيامة خروج الإنسان من قبره ؛ وقد وصفه جلَّ جلاله في قوله:{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۚ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44) } [ المعارج] اي يخرجون من قبورهم مسرعين كأنهم يرون علمًا منصوبًا ويسيرون نحوهُ بهذه السرعة في حين تكون أبصارهم خاشعةً أي تنظر إلى الأسفل ولا يستطيعون النظر إلى الاعلى من شدة الهول وما عليهم من ذلة. ومما ينجي من أهوال القيامة تشييع الجنائز،تنفيس كربة المؤمن وإدخال السرور عليه وكسوته، وقراءة دعاء الجوشن الكبير أول شهر رمضان.
لا يوجد أي عمل نافع لثقل الميزان مثل الصلاة على النبي وآله ومثل حسن الخلق. عن الإمام الرضا “عليه السلام ” أنه قال: ” من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله فأنها تهدم الذنوب هدمًا “، وعن الإمام الباقر” عليه السلام ” أنه قال: ” أول ما يحاسب به العبد الصلاة فان قبلت قبل ما سواها “
صحائف الاعمال وهي صحائف أعمال الناس فمن أُوتي كتابه بيمينه فيحاسب حساب يسيراً، ومن أُوتي كتابه وراء ظهره فسوف يصلى سعيرًا.
وهنا ثواب زيارة الامام الرضا عن الأمام الرضا “عليه السلام” أنه قال: ” من زارني على بعد داري اتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلصهمن اهوالها إذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً وعند الصراط وعند الميزان “.
ونتناول أحد منازل الاخرة المهولة الذي هو الصراط وهو الجسر المنصوب على جهنم ولا يدخل أحد الجنة ما لم يمر عليه وقد جاء في الرواية أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف وأحمى من النار ويمر عليه المؤمنون الخالصون بمنتهى السهولة كالبرق الخاطف والبعض يمرون عليه بصعوبة لكنهم ينجون والبعض يسقطون في جهنم وهو تجسيد للصراط المستقيم في الدنيا وهو طريق الحق طريق الولاية ، وعلى الصراط عقبات منها عقبة الولاية يسألون عندها الناس عن ولاية أمير المؤمنين، وأيضًا عقبة أخرى تسمى المرصاد ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [ الفجر: 14]، وأيضًا عقبة الامانة ، والرحم ، والصلاة ، وغيرها الكثير، ومما يسهل الجواز على الصراط زيارة الإمام الرضا ، و صيام 6 ايام من رجب ،وأمور أخرى كصلة الرحم والأمانة ، 20 ركعة بعد صلاة المغرب يقرأ كل ركعة الفاتحة وقل هو الله مرة ويسلم في كل ركعتين .
المصادر:
1– القرآن الكريم
2- معجم المعاني
3- موقع بناء إنسان
4- مبرة الإمام الباقر