أيهما تختار؟

في الاختبارات التي نؤديها بالدراسة يلجأ الكثير من الأساتذة والمعلمين لاستخدام الخيارات المتعددة تسهيلًا على طلابه وقد يرى البعض أنه كلما زادت الخيارات كان أكثر دقة وصعوبة، ولكني أجد أنه كلما قلت الخيارات وخاصة إذا كان هناك خياران لا ثالث لهما فنسبة الصعوبة تكون أكثر لأن فرص اختيار الخطأ والصواب متساوية وواردة بكل منهما مثلها مثل ركلات الجزاء بكرة القدم بالمبارايات النهائية التي لا تحتمل التساوي فإما أن تضيع الكرة وإما أن تحرز بها هدف الفوز.

ونحن بأيامك نؤدي اختبارًا ومباراة نهائية لا نعلم إن كان باستطاعتنا إعادتها بالعام القادم في حال لم تؤهلنا نقاطنا لإحراز النجاح لأننا لا نضمن أن نكون ممن يحضرونك ويكونون ضمن جمهور ضيوفك.

نحن لا نشعر بأهمية اختبارك لهذا لا نستعد له جيدًا لنحضر ليلتك العظمى ونحن قد ذاكرنا دروسك الخصوصية التي بدأت من قبل حضورك ومهدا لها شهرا رجب وشعبان لنأخد منهما طاقة النور التي تسعفنا لإدراك نور تلك الليلة العظيمة التي هي لنا ولأجل أعمارنا الصغيرة خير من ألف شهر.

بدء العد التنازلي لها يبدو سريع الوصول فهل نستطيع تدارك الساعات المتبقية لنحرز نقاط القُرب من ساحة كوكب النور الغائب؟

لا شك ولا ريب أن نوره هو ما يهدينا إن عز علينا النور وطغت ظلمات ذنوبنا على مركب سيرنا حتى لو كان هناك نداء خافت جدًا يناديه ليأخد بأيدينا وأنفاسنا لتلك الليلة لعل أقدار السماء النورانية تمسنا بفضل غيث دعائه الذي يرفع درجاتنا المتدنية والتي يُحتم عليها الرسوب ولكن بفضل بركة يديه المرفوعة لأجلنا ترتفع تلك الدرجات ويُكتب لنا عمر جديد وبدء عمل جديد.

لاتزال كلماته بلسمًا على أسماعنا مهما جرحناه بتقصيرنا الذي لا ينتهي فهو يقول: إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله، ونحن لا نجيبه إلا بإهمال أمره ونسيان ذكره ولا نطيع أمره بتقوى الله فيك.

طريقان لا ثالث لهما إما طريق النور أو طريق الظلام، طريق صعب هو طريق النور ومن يرتاده القليل أما طريق الظلام فهو سهل الالتحاق به بأي لحظة لهذا يكون الحشر فيه عيدًا من كثرة سالكيه ومهونيه.

ففي اختبار الصيام فيك والمحافظة على صيام الجوارح يُخفق الكثير فيه لأنه صعب مع وجود من لا يتلزم فيه ولا يرى حرمة بنظرة محرمة أو سمع محرم وغيرها، ويتم الاكتفاء بالصيام عن المأكل والمشرب فقط ولا يأمن أيضًا من وقوعه في ظلمات الإسراف والتبذير والتي يكون فيها حق ضائع لفقير أو مسكين.

وفي اختبار الصلاة إذا تم اجتياز أدائها صحيحة فالمحافظة على وقتها باتت أمرًا يُستهان به خاصة إذا كان هنالك مشجعون للتقصير لتؤدى جملة صلوات بوقت واحد لأن النوم كان مقدمًا عليها!

وفي اختبار الحجاب والستر كانت مجاراة الموضة بإظهار الزينة وإبراز المفاتن بالجسم والشعر هي من موجوبات الإخفاق في أدائه لأن النجاح في أمور أخرى قد يراها البعض بتصفيق المؤيدين للسفور معوضة عن درجات الحجاب الواجب وهي لا تغني عنه شيئًا أبدًا.

اختبارات كثيرة قد ندخل قاعاتها بكل لحظة وكل ثانية دون أن ندري ولا نعلم هل نحن تجاوزناها بنجاح أم تعثرنا فيها بالرسوب.

وحتى نضمن النجاح علينا أن نختار خيارًا تفوح منه رائحة الجنة مهما كان خيارًا صعبًا لأن الجنة تستحق اختيار الأصعب لها لنتذوق طعم الحلاوة فيها بعد مرارة الصعوبات باختباراتها المؤهلة لها.

نحن نحتاج أن نكون أحرارًا في خياراتنا تقودنا فيه فطرتنا دون النظر لما يختاره الكثير من حولنا لأن (أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ).

نحتاج لروح حرة كالحر الرياحي تجيد الاختيار بكل شيء لنقول معه: إني -والله- أخير نفسي بين الجنة والنار ولا أختار على الجنة شيئًا ولو قُطعت وحُرقت، فجنتنا هي التي نكون فيها بالقرب من إمام زماننا لنكون ضمن السعداء ونارنا هي التي تُبعدنا عنه وتجعلنا في مصاف الأشقياء.

يا شهر الله تمرة إفطاري اليوم هي من يد الحُر الذي أفاض عليه حُسينه بأن قبل توبته وهدية روحه فهل ينالنا فيك فيض إمامنا ليقبل توبتنا وهدية أرواحنا لنكون أحرارًا حقًا؟



error: المحتوي محمي