قلت لك بالأمس إن هناك عبارات تجعلنا نتوقف عندها لنعطيها لحظات تأمل وربما نكررها لتدخل بعمق دواخلنا لأنها تكون بمثابة البلسم وجبر الخاطر الإلهي الذي قد لا يجيد البعض تقديمه.
من هذه العبارات ما نجدها بدعاء الافتتاح الذي يُقرأ بكل لياليك والذي يُنسب للإمام الحجة (عج) حيث يقول: “وَلَعَلَّ الَّذي أبطَأ عَنّي هُوَ خَيرٌ لي لِعِلمِكَ بِعاقِبَةِ الاُمورِ”.
كم هي مريحة هذه العبارة فكل تأخير ينتظره الخير بعاقبته حتمًا إذا كان في رضا الله، وأقول هي مريحة لأن طبيعتنا نحن البشر العجلة {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}.
إضافة إلى العجلة التي نريد بها أمورنا أن تتم بعجلة نحن الأسرع بالجزع والهلع خاصة إذا كان الأمر بنطاق الشر الذي يُصيبنا ويعيق بعض أمور حياتنا {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا}.
مهما كان الأمر متأخرًا في أعيينا وقد نصل به لمرحلة اليأس من رحمة الله والعياذ بالله لكن لا نتأمل بالعبارة “ولعل الذي أبطأ عني..” ومن قالها؟
دعني أقول لك إن صاحب الدعاء بهذا العام أصبح عمره 1188 سنة ولا يزال يقول ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور، أنستطيع أن نعقد مقارنة بين تأخير أمره وتأخير أمر أحدنا؟ بالقطع لا مجال للمقارنة فهو سلام الله عليه فاق كل أنواع التصبر والانتظار ومع هذا هو من يبلسم لنا الأمور المتعسرة التي طال انتظارها ويجبرها بدعائه وخطابه المؤدب مع الرب الحكيم الذي يعلم متى يكون الوقت المناسب والصالح لكل أحد.
فقد نُلح وندعو لأحد الأمور المتأخرة أو المتعسرة وحين نكثر الدعاء ولا نناله نشعر بخيبة الجهل التي تُخيل لنا انكسار الخاطر وأننا نهون على الله أن يرد أيدينا وهو من حبه لنا يؤخره ليرسم بسمة تفوق انكسار الخاطر بمراحل عديدة.
وربما ما يزيد الأمر سوءًا حتى لو كان الشخص يحمل في قلبه التحمل والصبر على ما ابتلي فيه، أن هناك من لا يجيد مداراة خاطره ويكسره بقصد أو دون قصد، ويستكثر عليه كلمة طيبة فنحن شعب تكون الكلمة السيئة والمنتقدة والجارحة تسبق الكلمة الطيبة المبلسمة لكل جراح.
وربما أكثر شيء قد نقيس عليه التأخر هو تأخر الذرية والإنجاب فكم نعرف من أشخاص مرت بهم سنون العمر ووصلت حتى لعشرين سنة دون ذرية، ولو فتشنا قليلًا لمن أهداهم الله ذريتهم بعد طول انتظار ستجد أن ذريتهم تحمل معنى قرة العين خاصة إذا كان منذورًا لأحد المعصومين.
ستجد أطفال من حُرموا لسنوات لهم جمال خاص ليجسدو حقًا جمال هدية الرب التي طال انتظارها فكانت أجمل مما كان يُتأمل.
منذ يومين تقريبًا سررت بخبر أحد الشعراء الحسينيين الذي أتحف الساحة الحسينية بأشعاره الشجية ورُزق ببنت أسماها ريحانة العباس بعد انتظار 14 سنة، ولك أن تبحث كم رادودًا وكم خادمًا أفنى عمره بالخدامة والإخلاص فيها وكان محرومًا من الذرية فأتته التحفة والخير بعد سنوات طويلة من الانتظار وكانت الخير الذي يُرضي صاحبه ويطيب خاطره.
وأنا أعتقد أن أيامك ولياليك لا تحمل انكسار خاطر لقلب انكسر بخشوعه وهو يدعو ربه الذي أذن له بالدعاء وضمن له الإجابة.
وبهذه الأيام والليالي إن كنا نريد جبر المحرومين فلا وسيلة أسرع من المثول على باب أول ذرية من الكوثر العذب وأول ريحانة للرسول ذلك الموسوم بكريم أهل البيت (ع).
تمرة إفطاري اليوم فيك غير محرومة من كرم الكريم ومجبورة الخاطر من الذي لا يخيب لديه محروم من الصحة أو المال أو الذرية وغيره فمن بركات كرم ميلاده انتقلت الصفة لك فأصبحتَ رمضان كريمًا.