قد نغفل أحيانًا ولا نلتفت إلى معاني الكلام بالأدعية فيك يا شهر ربي رغم أنها تفتح لنا بحورًا متلاطمة من الحكمة والمعرفة بالآداب الواجب أن نتخلق بها حينًا ونبتعد عن بعضها حينًا آخر.
هناك عبارة بدعاء أبي حمزة تقول: “لعلك رأيتني معرضًا عنك فقليتني” ولأن ثقافتنا ضحلة بلغتنا الأم فحين لم أفهم معنى قليتني وجدتها بالهامش وليتني لم أجدها لأنها كانت تعني أبغضتني.
ألنا أن نتخيل أن نصل لدرجة أن الله يُبغضنا من فرط إعراضنا عنه، نعم قد يُثقل علينا هذا المعنى حين نثق أن عطف الله ورحمته واسعة، ولكن قبل هذه الثقة هل نثق إننا لا نستحق هذه العقوبة من فرط التمادي بالإعراض؟
قد نُدعى لجلسة قرآن أو دعاء ولا نستجيب، لكن بالمقابل إذا كانت الجلسة للأكل أو للسولفة فنحن أول المستجيبين.
قد يمر أمامنا مقطع لآية أو دعاء أو نعي أو أي شكل من أشكال المعرفة الدينية أو الذكر فنعمل له Skip وتخطيًا بسرعة حتى لو كان مقطعًا صغيرًا، ولكننا نتوقف عند مقطع مُضحك أو مقطع لمسلسل أو حتى إعلان لأحد المشاهير حتى لو كان طويلًا رغم علمنا أنه يبقى بدائرة الترويج التي تستهدفه وتستهدف وقته ونقوده وتصل لتغيير هويته.
الأدهى من ذلك ما يكون بالواقع وليس فقط عبر شاشة الجوال، فهناك من يصل المجلس الحسيني ويغادر منه لأنه يتم قراءة الدعاء فيه حيث يريد فقط الاستماع للعزاء!
أليس الدعاء وسيلة تهيئة لدخول محضر الآل ومحضر عزائهم؟
فكيف لنا من قوة لا تعرف الخجل بمغادرة مكان قد توسطناه وغادرناه لأن الدعاء عُد شيئًا لا يُغرينا الحضور فيه؟ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}.
أنا لا أتحدث من فراغ لكنه شيء وجدته أمام عيني وحتى لو كنا لا نُقيم وزنًا لأصحاب المجلس فمن باب أولى نُقيم وزنًا لمن تحضر تلك المجالس وتنتظر متى يبدأ الناعي فيها لنستحي منها بسبب إعراضنا عنها.
سوف أخبرك بشيء قد لا يروق لي حدوثه لكنه يحدث لي أحيانًا كثيرة وهو مثلًا حال التوزيع يصادف أن يتم تخطٍ موقعي، نعم قد يكون هناك سهو، وجل من لا يسهو، لكن حتى لو كنت أدرك أنه لم يكن من رزقي وحتى لو كان الشيء بسيطًا كأن يكون بركة مثلًا إلا أننا قد نتضايق من هذا التخطي حتى لو كنا أمامهم، ولكن ربما هذه المشاعر تساعدنا بمعرفة قبح الإعراض عن الله وذكره.
قد يكون القرآن أو كتاب الدعاء أمام أعيننا كل يوم ولكن نحن بكل مرة نعرض عن القراءة فيهم وإعطائهم ولو ساعة باليوم.
ما أقبحنا حين نكون جالسين بمائدة ضيافته بهذا الشهر ومع هذا نحن لا نتحدث له ونناجيه بالدعاء ولا نسمع كلامه بالقرآن ونستكثر عليه ساعة من أوقاتنا حتى لو كانت بمجرد استماع وليست بجهد القراءة، وبالمقابل نحن نصرف ساعات يومنا ببذخ لتكون ضائعة ببُعدها عنه بأمور فائدتها زائلة.
هل نُدرك حقًا أننا معرضون عن الله وعن شهره ونميل للضحك واللعب أكثر وقد يؤدي بنا هذا إلى دخول دائرة بغضه؟
أتعلم لماذا لأننا نُغزى دون أن ندري ونعترض بكمية هائلة من العادات والأخلاق التي لا يقبلها الذوق السليم بهذا الشهر بالذات وتقوى فيه شياطين الإنس حتى لو غُلت شياطين الجن، فهناك من لا يقيم احترامًا لإسلامه وعقيدته وكان هو من يُرضي شيطان الكفر على حساب اسم دينه وتشويه صورته.
إن كنا نبحث عن رضا الله بعد بغضه بقلة ما نملك من أدب، فليس هناك ميزان يُعيدنا إلى دائرة الرضا سوى أن نُرضي من كان رضاها رضا الله وغضبها غضب الله.
هي فاطمة أمنا الزهراء (ع) إذا اختلت موازين حياتنا هي من تستطيع إصلاحها حين نسعى ولو خطوة لرضاها وستكون باقي الخطوات بمددها.
هي الأم الحنون التي ترانا بقلب الأم الرحيمة التي تتجاوز عن خطأ أبنائها من أول دمعة للاعتراف عن قطيعتنا بها وعدم وصلها وقد لا تريد تلك الدمعة بل تريد مجرد توجه قلب صادق لبوصلة وجودها المستور عنا فيه أسرارها.
هي وإن كانت ذات القبر المخفي إلا أن يد عطفها تمتد مع كل صرخة استغاثة واستنجاد لتعيد الحياة لمن آيس منها، فهل نقوى على تخطي فضلها والصد عنه؟
هي التي تشترك مع يوسفها الغائب (عج) بطول دمعة الأحزان ببيت الأحزان ورغم حزنها فهي علة الوجود التي لولا فضلها لم يدخلنا شعور السرور والفرح ولم نتذوق طعمه.
بيومك يا شهر الله هذا الذي دخلنا به بأيامك البيض وليس هناك نور أبيض من نور زهرائنا التي يزهر نورها بالسماوات والأرض، لتكون تمرة إفطارنا من فضل نورها ونرتجي من الله أن يدخل النور ليمس الجسد والروح بالأثر الفاعل فإذا انعدم النور هلكنا من دوام الظُلمة.