اصطحب الاختصاصي الاجتماعي جعفر محمد العيد مستمعي برنامج سواليف رمضانية الذي يذاع على إذاعة جدة إف إم، في رحلة رمضانية تحكي جزءًا من تاريخ عادات وتقاليد جزيرة تاروت في شهر رمضان المبارك، روى تفاصيلها من زوايا ذاكرته التي تختزل حكايات ومواقف عديدة ومختلفة لتلك الأيام الماضية.
وفي بداية حديثه، عاد آل عيد بذاكرته إلى طفولته، مسترجعًا صورة الماء والنخيل والأشجار التي كانت صفة ملازمة لتلك الجزيرة التي وصفها بالجنة، وأوضح أنهم في استهلال شهر رمضان كانوا يخرجون مع أهاليهم لاستطلاع الهلال من أعلى قلعة تاروت، والمعروفة بأعلى قمة في الجزيرة، ورغم أن الذاكرة لم تسعفه لأن يسترجع نجاحهم في اقتناص الهلال حقًا سوى مرة أو مرتين، إلا أنه وصف خروجهم كأطفال مع أهاليهم بـ العادة الفلكلورية التي ترسم الفرحة في نفوس الأطفال والكبار حينها.
ومضى في سرد ذكرياته مع رمضان قديمًا، مستذكرًا صيام الأطفال وكيف كان الأهالي يدربونهم على أداء تلك الفريضة تدريجيًا، واستحضر واحدة من الحكايات التي صادفت الأغلبية في بداية ممارستهم للصوم، حيث يتلصص الطفل الصائم على الطعام ليسرق بعضه خفيةً عن والديه، مشيرًا إلى أن تلك السرقات الطفولية يدفنها العمر كلما تقدم الإنسان عامًا جديدًا.
وأشعل فتيل الحنين بحديثه لأبناء جيله؛ حيث حكايات السهر في شهر الخير، وكيف كان الشباب يطمحون أن يقضوا واحدةً من لياليه دون نوم، فالمعتاد قديمًا أن الأهالي كانوا لا يعرفون السهر نظرًا لعمل معظمهم في الزراعة والبحر وحتى من كانوا يعملون في أرامكو في بداياتها، لذلك ينامون مبكرًا ويستيقظون في الفجر، على عكس الوقت الحالي.
وتجول بذكرياته مع المسحراتي، كجولاته في أزقة تاروت، مناديًا كل بيت باسمه، راويًا أنه يتذكره جيدًا فهو من عائلة متسلسلة في التسحير، وكان الأب كفيفًا لكنه رغم ذلك كان يطرق كل الأزقة والشوارع، كما أنه لا يمر في طريق مرتين، لأنه كان يحفظ الطرقات جيدًا، وبعد الانتهاء من تسحير الناس كان يعود لتناول السحور مع أولاده، منوهًا بأن هذا دلالة على أن وقت السحور حينها كان مبكرًا مقارنةً بالوقت الحاضر.
وسارت به الذكريات مع المسحراتي ولحاق الأطفال به وهم يحملون الفوانيس على البيوت مرتين في رمضان في أوله وآخره، مستذكرًا أن الناس يعطون المسحراتي أطعمة تكفيه لسنة مقبلة، ويعطون الأطفال من حوله، وقليلًا ما كانوا يعطونهم أموالًا على عكس الوقت الحالي.
وعن فانوس رمضان الذي أصبح في وقتنا هذا ضيفًا في أغلب البيوت خلال شهر رمضان، ذكر العيد أن النسخة القديمة منه كانت حاضرة في ماضي “تاورت”، إلا أنه أرجع السبب لاستخدامه في الماضي إلى خلو الجزيرة وأغلب مناطق المنطقة الشرقية من الكهرباء، لذلك كان الأهالي يستخدمون الفانوس والفنر للإضاءة.
ورسم ذكريات طفولته مع الفنر واصفًا إياه بأنه زجاجة بها فتيل لإشعاله، لكنه لم يستخدمه لصغر سنه، مضيفًا أن البحارة كانوا يستخدمونه للإطباق على السمك حيث يتبع الضوء.
وكان لألعاب الأطفال في نهار رمضان مساحة خاصة من ذكريات “العيد”، مستعرضًا إياها خلال حديثه مثل: المخطة والدوامة الدائرية، والطير، وكرة القدم، وغيرها من الألعاب الأخرى.
ولم يغب -من حديثه- كرم أهالي جزيرة تاروت وحرصهم على ضيافة المجالس في الإفطار والسحور حيث أن بعض العوائل تخصص لها ليلة بعينها لتمد مائدة الإفطار للأهالي، وعوائل أخرى تمد مائدة السحور، مبينًا أنهم كانوا يجلبون الخضراوات والألبان من المزارعين بكميات تناسب الشهر، فلم يتوفر لديهم محال وصناعات مقارنة بالوقت الحالي.
وختم حديثه بالصحبة الملازمة للشهر الكريم؛ القرآن الكريم والأصوات التي تعطي ميزة خاصة لهذا الشهر المبارك، موضحًا أنهم كانوا في بداية شهر رمضان يجلسون بعد الإفطار مباشرة في المجالس يقرأون القرآن، وقد كانت بدايته من بيت خالته، مشيرًا إلى أنهم كانوا يحرصون على عدم تناول الكثير من الطعام حتى لا يزاورهم النعاس في جلسة التلاوة، مضيفًا أنه كان يقرأ مع أولاد خالته جزءًا أو جزأين، ثم يذهبون لمجالس الوعظ والأحاديث الدينية.