الحادي عشر

هناك حشرجة بصدري وأنا أدون لك باليوم الحادي عشر حتى إن الكلمات أمسكت عن النطق والأفكار تأبى أن تخرج وكأنها تعلن لائحة الخيانة والتمرد علي.

لكن أعلم أن مددك اللطيف سيجعلني أنطق لأكتب حتى لو كنت لا أرى الكلمات التي أكتبها لك لأن دموعي تعيق رؤيتي لها.

بأوقات الانتظار قد يقفز منا كم هائل من الأفكار التي تحتاج للتشريح على طاولة العرض، من هذه الأفكار هي طلب الراحة التي تدخلنا بدوامة شائكة حال الحديث عنها لأنه قد تسوقنا لعدة اتجاهات.

فعلى اتجاه الجسد مثلًا قد نفضّل ركوب السيارة على المشي وقد نفضّل المصعد على الدرج، ونبتاع أحدث الأجهزة لنقوم بجهد أقل وكل ذلك طلبًا للراحة لكن هذه باتت تأخذ معنى الكسل أكثر من الراحة.

وفي اتجاه الروح نحن نتثاقل عن قراءة دعاء طويل كدعاء الجوشن الكبير أو دعاء أبي حمزة الثمالي، أو أداء صلاة طويلة بعيننا مثل صلاة جعفر أو صلاة ذات عشر ركعات مثلًا أو أكثر، ونتثاقل أيضًا عن حضور برنامج رمضاني به مجالس الذكر والتي قد يطول المقام فيها، وذلك رغبة بالراحة ولكن هذه الراحة تنعكس على أداء الروح التي لم تلق ربيعها التي تزهو فيه وتتغذى على أنفاس ذكر الله وذكر رسول الله وآله الطاهرين.

نعم قد نحتاج لقلب مُقبل ليكون غذاء الروح مستساغًا ويسمو بأرواحنا، ولكن إذا كانت الروح عليلة بنفورها ينبغي ألا نتركها لأنياب الراحة بل نبلسم جفافها لأنها ستزيدها نفورًا وستأبى التخلي عن منطقة الراحة.

أما في اتجاه المجتمع فترى هناك من يرى الخطأ أمام عينه ويترك النصح فيه طلبًا للراحة، وهنا تحضرني كلمة مازالت عالقة بذهني حين أردت يومًا أن أُصلح بين شخصيتين ولم يفلح الأمر لأن إحدى الشخصيتين لم تترك مجالًا له، وقالت لي إحدى القريبات منها ما معناه أنه علينا تقبل الأمر وعدم المحاولة لأنكِ من سوف يتضرر بالنهاية، المنطق ربما لم يعجبني لكن أعترف أني استسلمت له وطلبت الراحة بكفي عن المحاولة، ربما إيضًا لأنني أعتقد أن هناك من يحتاج يد مساعدتك ومحاولتك لكن إذا كان هو نفسه لا يريد مساعدة نفسه هنا يحق لي التوقف.

أما في اتجاه التربية فإن ترك الأطفال على الأجهزة لساعات طويلة دون رقابة فلا شيء يبرره سوى طلب الراحة من الجلوس معهم وتبادل الحديث بمعارف الدين خارج نطاق الدراسة لأن وقت الدراسة ربما يأخذ الكثير من الوقت، ولكن هل هناك جنة تحت الأقدام تأتي بطلب الراحة؟!

أما في اتجاه الأسرة فهناك من يستغني عن وجود شريك حياة وأولاد طلبًا للراحة أيضًا، وقد يتخلى عنهم ببساطة لداعي نفس السبب.

الكل يطلب الراحة هنا لهذا كانت نسب الطلاق ورفض الزواج مرتفعة فلا أحد يريد استلام مسؤولية تثقل كاهله وتقيّد راحته.

لو تأمّلنا قليلًا لوجدنا أن هذه الدنيا لم تكن لنا محطة راحة أبدًا لأنها محطة عمل فهل هناك راحة مع العمل؟ الدنيا سجن المؤمن فهل نتوقع راحة بمكان يدعى بالسجن؟

هناك واحدة تُعلّمنا كيف ندخل لسجن الدنيا لكنه واقعًا نعيم الآخرة ولا نبحث بعده عن الراحة أبدًا، هي من اشترطت ألا تفارق أخاها حتى بسفره الذي تعلم شهادته فيه وجملة المصائب التي ستحل عليها إلا أنها لم تفضل الراحة والجلوس بالبيت كما هي مخدرة ومعززة.

اختارت أن تكون من تحمل الرسالة بعد أخيها حتى لو كانت الرسالة ثقيلة وتجعلها تصلي ليلة الحادي عشر من جلوس لعظم ثقلها.

هي اختارت أن ترعى قافلة من الأيتام والأرامل لتكون قدوة الصبر والتحمل التي لا تحتملها الجبال فكيف البشر؟

هي زينب وما أدراك ما زينب؟ حين قلت لك إن رقم الحادي عشر أثار حشرجة بالصدر وتوقف عن التفكير حيث لا يستطيع اللسان النطق أمام ما أعطت بتجلد وثبات بتلك الليلة التي تجسد لها قتل جميع أهلها فيها رغم هذا ربطت حزام الصبر وواصلت المسير لأداء فرض الدين وخلافة الله في الأرض فلولاها لما وصل لنا دين الإسلام سالمًا لليوم.

أنا لا أحتاج لعرض سيرة سيدة تنفست حريق المصائب من نعومة أظافرها إلى أن وصلت لرفع جسد أخيها المهبر لتقول “اللهم إن كان هذا يرضيك فخد حتى ترضى”.

وحتى بمجال الشكاية هي لم تكن مثل أي أحد منا حين يصاب بمرض أو بلية أو أي عارض يعارض رغباته فيشكو ربه لخلقه لكنها مع هول ما رأت أوصلت درسها لنا وللعالم حين قالت: ما رأيت إلا جميلًا.

فيا شهر ربي بيومك هذا كانت تمرة إفطاري تحوي جمال صبر زينب التي مازالت تعلمنا لليوم أن مصائبنا وأحزاننا هي نقطة تافهة أمام مصائبها ومِحَنها التي مازالت لليوم تُبكي غائبها المنتظر (عج) صباحًا ومساء.



error: المحتوي محمي