خجلى!

اليوم نطوي الثلث الأول منك ولأول مرة أشعر بسرعتك التي تطوي بها أيامك حتى من البداية وليس إذا وصلنا للنصف منك.

يا شهر ربي أنا خجلى منك لأني مازلت أضيعك ولا زال هواي يجرني للابتعاد وأنت ما زلت تمد يدك للاقتراب.

أنا خجلى أيضًا لأن هناك من لا يحترمك ولا يخجل من مبارزتك علنًا بأفعال مشينة وكلام ينم عن قلة الأدب والتأدب بحضورك، وربما هذا ليس غريبًا فهناك من لم يحترم حبيب الله ورسوله محمد (ص) ونسب له ما لا يُنسب لأهله.

هناك روايات موضوعة يخجل أي أحد أن يقول إن رسول الله وهو الذي “لا ينطق عن الهوى” قام بها أو قالها لأنها لا ممر لها على عقل أي عاقل.

والمشكلة أننا مازلنا ننشر بعض الروايات التي تأتي بلسان الرسول كمثل من يهنئ لقدوم شهر ربيع أو رجب وأن من يهنئ له الجنة! دون وعي وإدراك أن رسول الله بريء منها وهو القائل بأحد خطبه: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله.

فأين عمل العاملين للصالحات التي تؤهلهم للجنة أكان يقارن بمن يهنئ لدخول أحد الشهور؟ هي لا تحتاج لعرض على كتاب الله لفحص صحتها هي فقط تحتاج عقلًا يفكر قليلًا ليحكم هل تدخل لعقله أم لا؟

نعم هناك أعمال بسيطة ينال صاحبها الأجر العظيم ولا ننفي أبدًا كرم الله العظيم مع عباده فنحن مازلنا نرجو وندعو أن يقبل منا اليسير ويعفو عن الكثير وهو أهل لهذا الدعاء والرجاء.

وقال بموضع آخر حين علمه بكذب البعض عليه على عهده: “أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار”.

واحدة من الأمور التي تم التعرض لإيذاء رسول الله بها حين ننشر عن التاريخ أكاذيبه ونصدقها لا بل نعلمها أبناءنا بالمدارس، كأن نقول تزوج رسول الله (ص) بسيدتنا خديجة وهي بالأربعين بالعمر وكانت متزوجة قبله وهو بالعشرينات من العمر.

فقط فلنعرض هذا الشيء لواقعنا لو كان لدينا شخص نحبه من أقاربنا فهل نرضى أن نزوجه بزوجة غير جميلة وكانت متزوجه مرتين ولديها أبناء وبنات منهم وتكبره بسنوات عديدة؟

بالتأكيد لن نرضى لأننا نرغب أن تكون له زوجة تناسبه وتكافئه بالعمر والجمال وتكون بكرًا لم تر ولم تنجب من غيره ويكوّنا علاقة زوجية سعيدة، فما لنا نرضى ذلك على رسول الله وزوجته الطاهرة خديجة الكبرى (ع)؟

أكان الله يرضى لحبيبه أن يختار له زوجة بمواصفات هكذا وهي التي ستنجب له الكوثر العذب من ذريته؟

فلو كانت غير جميلة سلام الله عليها مثلًا لما استمرت علاقة زواجها برسول الله نحو 28 سنة ولم يتزوج عليها رسول الله طوال هذه المدة، ولما كانت الغيرة تأكل بعض زوجات الرسول حتى بعد وفاتها لتعبّر أنها لم تغر من أحد من زوجات النبي مثلما غارت من خديجة وهي لم ترها، لكن بالطبع رأت حب الرسول لها حتى بعد وفاتها فكان يذبح الذبائح ويقطع أعضاءها ويبعثها لصديقات خديجة وصلًا لها.

لو بحثنا عن تاريخ مولاتنا خديجة سنرى أمورًا مغلوطة كنا نصدقها ونسلّم بصحتها {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} وما نظن أن الكذب على رسول الله إلا تعرض للكذب على الله.

رسول الله (ص) بكل تضحياته التي قدمها لإحياء هذا الدين ولم يكن يريد جزاء وأجرًا منا سوى أن قال: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.

كانت قرابة رسول الله هي همه التي يوصي عليها قبل رحيله وقطعًا زوجته خديجة هي من أقرب المقربين لقلبه والتي لأجلها ولأجل الحزن لفراقها وُسم العام العاشر من البعثة بعام الحزن حزنًا على ناصريه عمه أبو طالب وزوجته الحنون خديجة (ع).

أتدري وأنا أقول لك العام العاشر ذهب ذهني لليوم العاشر الذي كان يومه بوزن أعوام من الحزن ما زلنا لليوم نتذوق كمية الأذى والفجيعة التي نالت قلب رسول الله (ص) فيه، ولكن مازلنا لا نتذوق حزن رسول الله بعام حزنه ونعطيه حقه من الوقوف والتأمل.

مولاتنا خديجة (ع) ومولانا الحسين (ع) اشتركا باليوم العاشر من شهر رمضان وشهر محرم وكلاهما رسما الحزن العظيم بأشهرهما على قلوب محمد وآله.

ويخرس قلمي حين أنوي الحديث عن عاشر الحسين (ع) ولكن عاشر مولاتي خديجة (ع) يستلزم علي قول هذه الكلمة بيوم الحسين العظيم من ذا يذكر جدته خديجة ويعظّم أجرها فيه؟

هل نسمع اسمها بالمنابر؟ هل هناك قارئ وناعٍ ينده اسمها حال الصرخة والمصيبة العظمى ليعظم أجرها بحفيدها الشهيد حال قطع رأسه؟

هل هناك من يُهديها ثواب مجالسه تسلية لقلبها العظيم الذي لا نشك بانفطاره بمصائب ابنتها وحفدتها؟

هل نستوعب كلمة أمّ التي لا نحسن تجسيدها بواقعنا وإعطائها حقها وتجسدت فيها فكانت بحق أمًا للمؤمنين؟

يا شهر ربي أوصل لها صوتي الذي يشكر تمرة إفطاري اليوم من يد لطفها وحنانها حيث مازلتُ خجلى منها لأني لا أقتدي بحيائها الذي رغم تضحياتها كانت تستحي أن تطلب من رسول الله ردائه، فهل نستحي من أنفسنا حين نطلب شفاعتها ونحن لم نقدم شيئًا يُذكر لها؟!



error: المحتوي محمي