الفرشاة في يدك

إن حياة المرء مليئة بالمواقف المؤلمة التي تجرح النفس من أعماقها، وتترك فيه أثرًا سلبيًا قد لا ينسى، وأكثر ما يؤلم الإنسان ويوجعه هو الشعور بأنه تعرّض للغدر ونكران الجميل، وبلا شك أن الإنسان يمر بالعديد من المواقف التي يضعها في ذاكرته ولا ينساها من الآخرين، فالخير لا يُنسى والشر لا يُنسى ونكران الجميل مستحيل أن ينسى.

لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه.

ما أشد الألم وما أقسى الوجع عندما يقابلنا الذين أحسننا إليهم بالنكران، ولا غرابة فمن البشر من جحدوا رازقهم وخالقهم وواهبهم النعم العظيمة ومع هذا قالوا عنه سبحانه: مغلول اليد ونسبوا له الابن والابنة والصاحبة، ومنهم من أنكر وجوده، تعالى الله علوًا كبيرًا عما يقولون، وكما هو معلوم أن توقع حدوث الشيء يخفف من وطأته، فإذا أدركنا أن تلك الصفة موجودة في دواخل الكثير من الناس فلن نجزع بعدها إذا لم نجد شكرًا وتقديرًا للمعروف الذي نقدمه، وهذا يعلّمنا جميعًا قيمة الشكر، ويوضح الخبير (جيمس راي) هذه الحقيقة بقوله: إن قوة الشكر كبيرة جداً فأنا أبدأ يومي كلما استيقظت صباحاً بعبارة (الحمد لله) لأني وجدتها مفيدة جداً وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب بل إنني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة وهذا سرّ نجاحي أنني أقول (الحمد لله) وأكررها مراراً طوال اليوم!

وفي الشرع نجد الحث على الشكر يتكرر فقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كان إذا انتبه من الليل قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور.

وقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أيضاً: “من لم يشكر الناس لم يشكر الله”، كما أوصيكم لتكسبوا الأجر العظيم وراحة البال أن تخلصوا النوايا لله وتحسنوا المقصد قبل أن تقدموا المعروف راجين الثواب والأجر من رب العالمين فقط وليكن شعاركم الدائم {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}.

إن الاختلال الكبير في الميزان الأخلاقي عند الكثير فقد استخدموا للأسف النقد كسلاح للتشفي والتفاضح وتصفية الحسابات والتنفيس عن الضغوطات وربما توهم البعض أنه من علامات قوة الشخصية، وقد خفي عليهم أن البشر كائنات عاطفية تحركها الكلمة الطيبة، والحقيقة أن النقد أمر غير محبب للبشر وليس محل ترحاب عندهم مطلقًا، والحل جدًا بسيط فقط اقتنعوا أن الناقد لا يملك (الحقيقة المطلقة) فميكانيزم النقد يعمل وفق ما يسمى بـ(الشاشة العجيبة) فالناقد ينتقد بناء على ما في شاشته الداخلية وليس وفق الحقيقة الظاهرة!

فربما ينتقد بناء على حالته النفسية المتأزمة أو بناء على مزاجه الشخصي وقد يكون شخصًا جاهلًا أو حاقدًا قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم.

ولأن العقلاء لا ينتقدون الأشياء التي تدخل ضمن إطار (الأذواق الشخصية) فلكل إنسان ذوقه الخاص ويجب على الآخرين احترامه فليس ثمة معايير ثابتة للأذواق!

كونوا واثقين من أنفسكم فالواثقون من أنفسهم وأصحاب القلوب العظيمة يتقبلون النقد برحابة صدر وبساطة نفس ويتعاملون مع المنتقدين بهدوء وتروٍ ودون انفعال وتشنّج وغالبًا أن النقد لن يخرج عن ثلاث حالات:

1- أن يكون نقدًا في محله فيستقبل كما تستقبل الهدية الثمينة، يشكر صاحبه ويجزل له الثناء.

2- أن يكون النقد محطمًا جارحًا ظالمًا قد امتهن صاحبه فتح الملفات القديمة فهناك أحد خيارين للتعامل معه:
أ- إمّا أن يرد عليه برد منطقي حازم يجعل صاحبه يتراجع أو يقف عند حدّه.
ب- وإمّا أن يتجاهل ولا يلتفت له، ويفحمه بسعة الصدر والحلم.

إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرّجت عنه
وإن خليّته كمدا يموت

وأحسب أن أسلم وسيلة للتعامل مع الحمقاء والحاقدين هي الإعراض عنهم وتجاهلهم. يقول تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.

3- وإن كان النقد غامضًا فنمارس معه أسلوب (الاستقصاء) وذلك بأن يطلب من الناقد توضيح الأمر وإثباته؛ فمثلًا لو اتهمك أحدهم بأنك لا تحترمه فما عليك إلا أن تطلب منه ذكر المواقف التي جعلته يطلق هذا الحكم!

افتخر بأنك كنت وما زلت إنساناً يحمل قلباً من ذهب، يفتخر به أمام ربه.

وأخيرًا لا تتنازلوا عن راحتكم وتنحروا سعادتكم بمجرد كلمة تسمعونها من أحد فالحياة أقصر من أن نقصرها بالهم والألم على أمور لا تستحق ومن الحكمة في مثل تلك المواقف الاقتصاد في ردة الفعل والاعتدال فيها
وهذا يعني كما وصفه أحد الفلاسفة عندما قال: من الحكمة ألا نحرق مخزن الحبوب من أجل القضاء على مجموعة فئران اختبأت فيه.

فالحياة لوحة فنية، ألوانها أقوالك، أَشكالها أعمالك والرسام هو أَنت فأَبدع في رسم لوحتك، فمادمت تقرأ الآن ما زالت الفرشاة في يدك.



error: المحتوي محمي