كفيل الروح

رغم كل النعم التي نتنعم بها بوجودك يا شهر رمضان إلا أن هناك زاوية من الاحتياج ننسحب إليها ونعلن حاجتنا لكفيل يكفلنا فيك، فحتى لو حُبست وغُلت الشياطين بأيامك، فهناك شياطين لاتزال تقبع بأنفسنا وتخرج من دون حاجة لشيطان خارجي يوسوس لها فعل السوء فيك.

الكفيل قد يختص بالمال فحين يستدين أحدهم مالًا ويكفلهم أحدهم فإنه إن تأخر أو لم يدفع فالمال يدفعه الكفيل، وكذا قد يختص بكفالة اليتيم حيث يتكفل به وبأموره المادية وقد تمتد لتشمل أموره المعنوية من بذل الأمان والرعاية والتربية المفقودة بفقد أحد والديه أو كليهما.

لكن نحن فيك نحتاج كفيلًا يتكفل روحانية أرواحنا كي لا تزيغ ولا تميل عن هالة الطريق الذي أنت فيه، هو من يقوم بضمان المدد لنا إن شح علينا رغم توفر السبل له لكن فقداننا للبصيرة لا البصر أعمانا عن الحصول عليه، لهذا تطلب النفس الراحة والابتعاد لتمردها بنفور روحها.

أرواحنا مريضة وتحتاج كافلًا يتكفل بعلاجها وترميم الثقوب السوداء التي ترميها وسط فضاء من العشوائية والتخبط الذي لا نهاية ولا نفع منه.

لا أعلم إن كانت مصادفة أم توفيقًا لم أخطط له وجرني للحديث عن الكفالة بيوم وفاة الكفيل أبو طالب واليوم السابع منك والذي كُنت أريد العباس حاضر الذكر فيه.

وبما أن اللقاء تم بينهما اليوم فدعني أخبرك بما أشعر أنه يجمعهما ليكونا اختيارًا مُلهمًا للكفالة التي أقصد.

كلاهما يحمل روحًا شفافة استشفها واستشعر وهج حبها ودفئه بمجرد لفظ اسميهما والحديث عنهما وأستبعد أن ترى روحهما روحًا تستنجد الغوث والرحمة لاحتضار الروح فلا يبذلان لها ويحنو عليها بأبعد حد من الغوث والرحمة.

كلاهما يملك بصيرة نافذة فكانا يتحملان كل ألم وقع عليهما بزمنهما في سبيل صنع أمل لمستقبل الدين ورسم طريق مُمهد بالتضحيات.

كلاهما كان رمزًا للحمى والحماية القوية الني لا يجرؤ أحد تخطي درع حمايتهم وبأسهم، فهل نتنازل عن هكذا حمى؟

كلاهما كان الإيمان ينضح منه حيث البذل فيه بلا حدود، فكان أبو طالب يُخفي إسلامه حماية لرسول الله (ص) والدين الذي يحتاج للقيام بنهضته ببدايته، أما العباس فكان يخُفي كلمة أخوّته العميقة ليكون الخادم والناصر لسيده ومولاه وطوع أمره، هو حامل لوائه العظيم الذي ما أن يسقط بسقوط كفوفه وحال تسقط عمامته حين يحاول نزع سهم نشبت بعين الدين كله لا بعينه فقط وهنا أتوقف فلا أقوى على الإكمال لأني أعلم أن إكمالي يفجع قلب أمه الزهراء (ع) لكن أثق أنك تعرف التكملة التي بها وصلت روحه لأقصى تحملاتها فنادت: أخي حسين أدركني.

كلاهما لآخر رمق كان همه الاطمئنان على تأدية حق الكفالة وعدم التقصير فيه، أبو طالب لآخر حياته وهو يوصي على رسول الله (ص) ورحل وقلبه عليه ولو كان للعمر متسع لبذل ما هو أكثر لكن حكم الموت شاء أن يفقد به ركنه الذي يلوذ بحمايته.

أما أبا الفضل فلآخر رمق كان يبذل المواساة بالعطش وتوسد التراب والبقاء بمكان مصرعه على الشريعة خجلًا من العودة ولو جثة دون وفاء بوعد بجلب الماء للأطفال والذي حال الموت بينه وبين جلبه، ولأن روحه التي كفلت زينب (ع) لا تقوى على رؤيتها عن قرب وهي حائرة بعد فقد عين كفالته تفر من خيمة لخيمة.

عين العباس الكافلة حديث ذو شجون ولا أستطيع إنهاءه بيوم واحد لهذا لي عودة له بيوم آخر منك.

لكن اليوم هو يوم وفاة أبو طالب (ع) عم النبي وأبو الوصي وجد الأئمة، هذا الطيب الطاهر المؤمن الذي نسبوا له الكفر والعياذ بالله ويكفينا للرد على هذه التهمة ما رواه أبي عبد الله عليه السلام، عن أبائه عليهم السلام، عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه قال: كان ذات يوم جالساً بالرحبة والناس حوله مجتمعون، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنك بالمكان الذي أنزلك الله به، وأبوك يُعذب بالنار! فقال له: مه! فض الله فاك! والذي بعث محمداً بالحق نبياً لو شُفِّع أبي في كل مذنب على وجه الارض لشَفَّعه الله تعالى فيهم، أبي يُعذَّب بالنار وابنه قسيم النار! ثم قال: والذي بعث محمداً بالحق نبياً إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلا خمسة أنوار: نور محمد صلى الله عليه وآله، ونوري، ونور فاطمة، ونوري الحسن والحسين ومن ولده من الأئمة، لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله عز وجل من قبل خلق آدم بألفي عام.

لكن نوره الذي غيبه الموت هد ركن النبي بتجديد اليتم وأجرى دمع الوصي باستحداثه، فكان السابع منك يا شهر ربي حزينًا لأجل حزنهما، وكانت تمرة إفطاري فيه مسماة باسمه لعلها تمدني بمدد كفالته ليكفل إيماني وتكون هالة الروحانية فيه تحت عين عنايته.

فسلام على مؤمن قريش السيد الطاهر أبو طالب العطوف وقلبه الرؤوف.



error: المحتوي محمي