حين يمضي خيرة الناس بلا رجعة

هذا الزخم المتقاطر بالثناء على الخطيب الجليل الملا عبدالله آل سويد “أبو حسين” والأسف والأسى المُرَّين على فقده، هو في الحقيقة قليلٌ في حقهِ المدون علينا في قرطاس الديون، لأنه وأمثاله القلة ينسلُّون من بيننا دون أن ندرك مدى الصدع الذي يسببونه والذي بدأنا فعلاً نشعر أن فقدانهم انعكس على أرواحنا، وهي تحس بفراغ لا يمكن تعويضه. هذا الفراغ الذي كان يمتلئ بعبق الماضي والماضين منهم، كانوا فينا الأبوة والرجال النوادر من الزمن الأندر، وقد تشرّبنا منهم الانتماء للأرض والدين والمذهب الحق، وأبصرنا منهم الحياة وسرنا على الجادة القويمة، وربونا على الأصالة والتعاليم الدينية والمجتمعية والأعراف العتيقة والتي للأسف نحاول أن نلفظها الآن بينما هي مستقرة في دواخلنا رغماً عنا. كيف؟ لسبب بسيط وهو أنها أضحت نسيجاً في كينوناتنا ولا يمكن الانعتاق منها. ومهما حاولنا الفرار منها فهي تفر معنا ولا خلاص ولا فكاك. ومهما تجاهلنا وجودها فهي لا تنفك تنبهنا دوماً إن نحن خالفنا اليقين الذي ينسجر في القلوب ويعشعش في الوجدان ليخبرنا كل لحظةِ جنوح للوهم أن الحقيقة موجودة وأن العبث الذي يحاول نهشنا يتراجع دوماً كلما نبهتنا سيرة العقلاء هؤلاء.

رحمك الله يا أبا حسين، أيها السَّواح بين قرانا وزرانيقنا وبيوتاتنا توزّع علينا الطيبة، وشذا الابتسامة النقية التقية وتلملمنا من شتات.

رحمك الله يا أبا حسين رحمة الأرحام الذين أنت منهم بلا شك، كيف لا ونحن من عقود نراك ومنذ كنا صبية؛ خفيف المؤونة، بهي الطلعة ورشيق العبارة وحمامة سلام.

رحمك الله أيها الإنسان المؤمن، الهادئ الطباع، أصيل العريكة، أيها الحاضر والماضي، وأيها الخادم الحسيني العريق الموالاة والصوت الباقي في آذان الأزمان حيث سنبدأ في لملمة ذكراك من مجالسك وأحاديثك وصورك، في وقت كنت فيه بيننا ولا نلتفت سوى لحظة رد السلام وتمضي ونحن نمضي لما كنا فيه لاهين غافلين عنك. وقد مضيت الآن وللتو سنبدأ الركض خلفك بعد فوات الأوان، ومن الآن إلى حين الرحيل بعدك.



error: المحتوي محمي