– 175 صفحة جمعت مقالات تسعة من المهتمين بسيرة الراحل حسن صالح الجشي.
– ولد في القطيف، وتوفي في جدة عن عمر ناهز 56 عامًا.
– نشأ يتيم الأب، وهو في العاشرة من عمره، وتولى عمه مهدي تربيته.
– سافر مع عمه للبحرين، ودرس اللغة الإنجليزية.
– عمل موظفًا في شركة البترول بالبحرين، ثم في شركة أرامكو الظهران.
– عمل مترجمًا فوريًا للمغفور له جلالة الملك عبد العزيز.
– رأس بلدية القطيف، وشق شارع الملك عبد العزيز.
بعد ما يقارب 51 عامًا من وفاته ودفنه في مدينة جدة، عاد المرحوم حسن بن صالح الجشي إلى مسقط رأسه في مدينة القطيف، ليحل ضيفًا رئيسًا على حفل توقيع كتاب “الغائب الحاضر”، الذي أقيم في مساء الأربعاء 30 مارس 2022م، في قصر الغانم للمناسبات.
من هو؟
ولد المرحوم حسن بن صالح الجشي في القطيف سنة 1335 هـ، وتوفي بمدينة جدة في الثاني من شهر ذي الحجة عام 1391 هـ، وكان له من العمر 56 عامًا.
لم يتمتع الراحل الجشي بحضن والده طويلًا، فقد توفي عنه أبوه وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، إلا إن رحمة الله أهدته أبًا جديدًا وإن لم يكن من صلبه إلا إنه يشاركه الدم والنسب، وذلك بعد أن تكفل عمه مهدي الجشي برعايته، ولم يكتفِ عمه باحتضانه بل زوجه ابنته حين بلغ مبلغ الشباب.
إلى البحرين
كان من حسن حظه أن يربى بين يدي عمه، فقد ساهم ذلك في أن يصل إلى حدود أبعد بكثير من الحدود التي كان يصلها أقرانه في ذلك الوقت؛ فقد كان عمه مهدي متفتح الذهن، وله أفكار مختلفة؛ فسافر به إلى البحرين، وهناك التحق حسن بالدراسة في بداية العشرينيات من القرن الماضي، وتعلم اللغة الإنجليزية التي أهلته إلى أن يشتغل في شركة البترول في البحرين.
انتقل الجشي بعدها إلى العمل في شركة أرامكو بالظهران، واشتغل مترجمًا في قسم الجيولوجيا بالشركة.
عدوى العم المثقف
تركت نشأة حسن أو “أبو شوقي” كما هي كنيته، أثرها عليه؛ فقد كان العم من المثقفين الواعين، بل أكثر من ذلك أنه كان من مؤسسي أول نادي في البحرين وهو نادي العروبة الذي تعاطف مع القضية الفلسطينية في حينها، كما أنه حين عاد إلى الوطن تراس عدة دورات للمجلس البلدي حينها.
منجز غير خارطة القطيف
في حديث لـ«القطيف اليوم» مع الفوتوغرافي وائل الجشي ذكر أن إنجازات الراحل حسن الجشي كان معظمها في مجال الإدارة، وهو المجال الذي أبدع فيه حينما ترك التجارة وقبل تولي رئاسة بلدية القطيف.
وكشف أنه خلال توليه رئاسة بلدية المحفظة اتخذ فيها عددًا من المشاريع التي غيرت خارطة المنطقة، من أهمها في ذلك الوقت شق شارع الملك عبد العزيز من جنوب القطيف إلى شمالها، وكذلك منطقة “الدخل المحدود”.
عن الكتاب
يحتوي الكتاب في 175 صفحة مجموعة من المقالات، والشهادات التاريخية التي أدلى بها عدد من المهتمين بسيرة المرحوم، على رأسهم الدكتور جميل الجشي، والدكتورة نهاد الجشي، والدكتور السيد حسين آل ماجد، وحسن علي الزاير، والدكتور سعيد الشواف، وسلمان الجشي، وغيرهم ممن عاصروا أبا شوقي وعرفوه من كثب ولم يبخلوا بتوثيق ما يستذكرونه عن شخصيته، ومآثره، ومنجزاته، ودوره في تنمية المجتمع ثقافيًا واجتماعيًا، وعمرانيًا،
وقام بجمع محتوى الكتاب وإعداده علي بن عبد المحسن الجشي.
أما عن عنوان الكتاب؛ فذكر وائل الجشي أنه يمثل الراحل حسن الجشي، فهو الغائب الحاضر، وهو مأخوذة من غياب المرحوم جسديًا عن أرض القطيف حيث دفن خارجها وبقاءه حاضرًا بعمله، وأثره في المنطقة إذًا هو غائب وحاضر.
بين أروقة الحفل
ضمت قاعة الغانم هذا المساء حشدًا كبيرًا من عائلة الجشي ومحبيه، في حفل استهل أولى فقراته عريف الحفل زهير الشماسي بكلمة الافتتاح، واصفًا المحفل بالوقوف أمام واحد من العمالقة الذين دونهم لا يمكن رؤية الدرب نحو المستقبل؛ فمنجزاتهم تمثل الضوء الذي يشق الطريق نحو المستقبل، مضيفًا بأنهم وضعوا النواة الأولى لقطيفنا ووطننا، ولولاهم لم تكن كذلك برؤياهم، وجهودهم التنموية.
وقال الشماسي:” ندشن اليوم سيرة عملت بجد، واجتهاد قبل أكثر من خمسين عامًا سيرة رجل سبق زمانه، وشقت أعماله وبصماته بناء القطيف”.
ورتل بعدها تيسير الدهان آيات من القرآن الكريم، ليعتلي المنصة بعده علي عبد المحسن الجشي مقدمًا كلمة حول فكرة الكتاب.
فكرة.. على لسان الجشي
أوضح علي الجشي فيه كلمته أن هناك حلقات مفقودة، وغير واضحة في تبيان عناصر قوتها لما كان للعنصر مكانة في المجتمعات، والأمم، وكثير من شخصيات هذه المنطقة من الذين ساهموا في المحافظة عليها مجهولين، أو مفقودين، أو منسيين، وهناك توثيق لباقي أعلام جهلنا بسيرتهم شخصيات ساهمت في بناء قطيفنا لكن أسماءهم لم تخلد، وفي الوقت الحاضر لا يوجد مبرر، وأسباب لعدم إبرازها.
وقال الجشي:” بإلقاء نظرة سريعة على تاريخ منطقة القطيف وتراثها، نستطيع أن نرى أطيافًا متناثرة هنا، وهناك مما وثق عنها لإبراز مكانتها والتعريف بها، لكن ما يزال هذا الجهد غير كاف؛ ولا يعكس بجلاء واقع القطيف الحضاري؛ ولا يرتقي لمكانتها، فهناك الكثير ممن يستحقون الكتابة عنهم ليكونوا قدوة للأجيال القادمة، ولو بما تيسر كما هو الحال في المجهود الذي بذل لإخراج هذا الكتاب”.
وشدد على أنه هناك حاجة ماسة لإبراز الوجه الإنساني الناصع لهذا الجزء العزيز من الوطن الغالي تلزمنا السعي لإصدار كتب مماثلة عن شخصيات لمعت وأثْرَت وأثّرت في مسار حضارتنا.
لم يكن سهلًا
وأوضح أن عملية جمع، وإعداد محتويات هذا الكتاب لم يكن بالأمر السهل، معللًا ذلك بقوله:” لشح المصادر عن تلك الفترة، وعن أبي شوقي تحديدًا، ولرحيل معظم مجالسيه، عدا القليل منهم، أمد الله في أعمارهم، الذين لم يبخلوا بأحاديثهم العميقة، الشجية عنه، في مقابلات شخصية استرجعت ما جادت به ذاكرتهم عن المرحوم، الذي غاب عنا قبل أكثر من نصف قرن، لكن مآثره ما تزال باقية يلمسها الناس في أماكن كثيرة في منطقة القطيف”.
وختم بقوله: “بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب في مجمله يأخذ طابعًا توثيقيًا وليس تحليليًا شاملًا لشخصية المرحوم بالقدر الذي كنا نطمح إليه؛ فيكون بذلك مرجعًا ثريًا بالمعلومات التاريخية عن جوانب كثيرة، من حياة أبي شوقي ومنطقة القطيف ككل، أما الجانب التأملي في سيرته؛ فقد ورد في بعض المواضع، لكننا نأمل أن يثير هذا الكتاب اهتمام القراء، في المستقبل، فيبرز من بينهم من يتناول سيرته بالتحليل النقدي، ويقدم قراءة جديدة لحياته، ويضيء بعض الجوانب التي لم يتسنَ لنا أن نلقي الضوء عليها”.
لماذا بعد الخمسين
وتناولت الدكتورة نهاد الجشي دفة الحديث؛ شارحةً السبب في إطلاق الكتاب بعد 50 عامًا من رحيل الحاج حسن الجشي، مشيرةً إلى أن هذا السؤال فرضته بقوة محاولة إخراج هذه الشذرات من سيرة المرحوم حسن صالح الجشي.
وقدمت الجشي في حديثها عددًا من الاستفهامات حول ذلك، إلا إنها اختصرت الإجابة بقولها: “أيًا كان السبب من هذه الأسئلة أحدها أو كلها؛ فالوفاء لذلك الجيل يفرض علينا التفاتة، ودراسة معمقة لما كان عليه، وأوصلنا لما نحن عليه إن البحث والدراسة في هذا المجال، وإعادة التواصل التاريخي لمسيرة الأجيال محفوفا بالكثير من المطبات الفراغية من المعلومة، والتوثيق؛ فبين المعلومة الشفوية، والمدونة، والمصورة تلاشت حقائق، وغابت منجزات، وأفكار، ليس في طيات النسيان فحسب، وإنما في شح الاجتهاد المتوقع من قبل بعض المؤرخين أحيانًا”.
وأضافت:” ما تسنى لنا الاطلاع عليه من كتب عن تاريخ هذه المنطقة في هذه العجالة من الوقت، أظهر حقيقة ساطعة، أن الارتباط الوجداني بهذه الأرض أمر محمود ومطلوب، ولكن عدم ربطه بالمعرفه التاريخية الموضوعية لواقع الأرض، وجغرافيتها، وعطائها وإنسانها على وجه الخصوص لا يفي هذه العاطفة حقها من المصداقية”.
تمثلات إبداعية
وكان للأديب رائد أنيس الجشي وقفة حملت عنوان:” تمثلات الفكر الإبداعي في سيرة أبو شوقي رحمه الله”، ذكر فيها أنه لطالما كانت سيرة المبدعين ملهمة لنا، نستمد منها الطاقة الإيجابية اللازمة لمواصلة الحلم حين نتعرف على ما بذلوه من جهد، وتضحيات؛ ليحققوا ما حققوه، من إنجازات لا يمكن الحصول عليها بسلك الطرق المريحة، والبقاء في منطقة الأمان، عندها فقط نتجاوز محاولة الحصول على نسخة تشبه ما أنتجوه من زهور؛ لنبحث عن طريقة الحرث والزرع، والبذر، وطرق العناية، وندرس كل ما يمكننا الحصول عليه من معرفة نحللها، ونقارنها مع غيرها علنا ننتج زهرتنا الخاصة، وأريجنا المغاير الذي ينمو مع نمونا الفكري.
وبين الأديب الجشي أن الكتاب لا يتحدث عن أبو شوقي رحمه الله عن نفسه، بل يُعرّف بجزء من سيرته مما كتبه بعض المتأثرين به والمهتمين بالحديث عنه، لا للعلاقة الشخصية التي تربطهم به فحسب، ولكن؛ لأنهم من المهتمين بالحديث أيضًا عن حقبة زمنية مهمة من تاريخ منطقة القطيف من حيث التحول الثقافي، والبيئي الذي أثرته الجهود الفردية وقتها، كون العمل المؤسساتي، والخطط التنموية كانت في مرحلة التفكير والتصور والتبلور، ولكنها مع أهميتها غائبة عن كتابات المختصين إلا ما ندر.
رؤية مستقبلية
في حديثه، طرح رائد الجشي عددًا من الاقتراحات للمرحوم حسن الجشي، استدل بها على أنه كان صاحب رؤية للمستقبل البعيد، مبينًا أنها كانت ناتجة عن دراسة مقارنات عقدها بين المدن المشابهة للقطيف مع وعيه بمناخها، وتضاريسها، وحاجاتها الضرورية، وإمكانية تطويرها في زمن كان من الممكن أن يتابع تفعيل ما قام به من سبقه أو ينتظر الخطط التطويرية تأتي من جهات أخرى فينفذها.
وأكد أن الراحل الجشي ما كان ليحبطه أمر من عدم قبول اقتراح أو يجهد ذهنه في التفكير، ولكن المبادرة بالاقتراح، والتنفيذ، ورؤية ما لا يراه الآخرون ممكنًا، هي صفة من صفات المبدع الرأيوي.
واهتم الجشي في حديثه بذكر ما لم يتم تنفيذه من اقتراحاته، مستعرضًا إياها بقوله:” كان منها حفر القنوات المائية في المخططات الذي لم يتحقق إلى الآن وإنشاء مصنع للتمور بناء على إنتاجية الفلاحين الذي لم يتحقق في القطيف لكن الفكرة تحققت بعد ذلك في الأحساء، وتوسعة بعض الشوارع الرئيسية لتكون شريانًا للمدينة وفسحة تجارية وهو ما تم تنفيذه في الخبر”.
تطوير وتفرد
بين الجشي في وقفته أن الاهتمام بتطوير الذات، وتطوير الآخر كانت واحدة من الصفات البارزة في الراحل أبي شوقي، مستشهدًا بأدب المقارنة، والترجمة الفورية كأنموذج لتلك الصفة.
وفصل ذلك بقوله: “أشارت الدكتورة نهاد الجشي في حديثها عن المرحوم إلى جزء من نمط تعليمه، وحرصه على التعلم، وعن الشركات التي عمل بها داخل المملكة وخارجها، ومن الطبيعي جدًا أن يتعلم أبو شوقي اللغة الإنجليزية، ويتخصص بما يلزمه منها لإنجاز معاملاته الدراسية والتجارية، لكن الولع بتطوير الذات
يدفعه لاتخاذ ترجمة (ريدرز دايجست) عادة معرفية وهي مجلة متنوعة الأغراض، ثم مقارنة ترجمته مع الترجمات المتاحة، وهو أمر لا حاجة له به في عمله أو تجارته؛ لكنه ينم عن طبيعة فكره، ويبدو أن أثر المقارنة بالمدن التي تحدث عنها سابقًا، ومقارنة الترجمات ببعضها ومقارنة التعليم في المملكة مع التعليم المميز في دول أخرى كان من العوامل المؤثرة، والمنيرة لرؤيته”.
ومضى في حديثه:” ما يدل على أنه مولع بتطوير الذات حتى في الترجمة المتعددة الأغراض التي لم يكن يمتهنها أو يحتاجها في عمله هو اختياره دون سواه ليكون مترجمًا فوريًا للمغفور له الملك عبد العزيز، والترجمة الفورية وخصوصًا لملك أو رئيس تعتمد على قدرة المترجم على التأويل مع وعيه بالمترجم منه، وله من النواحي الثقافية، والسياسية وهي مرحلة متقدمة تتجاوز بمراحل من لم يعد نفسه مسبقًا؛ ليكون كذلك إلا أن يكون مفكرًا مهتمًا بالتطوير الدائم لذاته لا لضرورة عمله وهي لازمة إبداعية”.
قافية وشكر
تعطرت أجواء الحفل في ختامه بقصيدة مهداة للمرحوم الجشي من الشاعر علي آل مهنا، ثم وقفة تكريم من ابن الراحل “شوقي حسن صالح الجشي” لكل من؛ محمد حسن الجشي، وجميل الجشي، والسيد حسين آل ماجد، ونهاد الجشي، وحسن علي الزاير، وفؤاد نصر الله، وعلي عبد المحسن الجشي، ووائل الجشي، ومحمد الجشي.