استبانة صلاة الجماعة (3)

5. الشعور بوجود مشكلة يهيئ الأرضية لحلها، أما إذا لم نشعر بها أو أنكرنا وجودها فلن نندفع لطلب الحلول الممكنة، ونسبة من رأى وجود مشكلة عزوف عن صلاة الجماعة بلغت 80.7%، ومن لا يراها موجودة بلغت 19.3#%.

ولكن فيمن يكمن الخلل؟
هل في الناس كما يراه 36.3% كعدم التوافق والانسجام بين المأمومين؟ أم أنه في أئمة الجماعة كما يراه 6.4%؟
والمسؤول عن هذا الملف هم الأئمة أنفسهم؛ لذا قمت بمحاولة إرسال الملف إلى أكبر قدر منهم، ومن لم يصله فبإمكانه الإشارة إلي ليصله للاطلاع عليه والتفكير في حل الإشكاليات والمؤاخذات.

أم أنه في الطرفين كما يراها 47% حيث إن المسألة مزدوجة بينهما وكل طرف يتحمل نسبة متفاوتة.

ومن هؤلاء من يرى أن الوقت طويل في صلاة الجماعة، ووقته لا يتسع، وبعض الجماعات تقوم بوعظ وإرشاد وأحكام فقهية بين الفرضين!

وآخرون أعاقهم الظرف الصحي، نسأل الله لهم العافية، وللظروف العائلية دورها في انحسار جملة منهم عن الجماعة، ولا نغفل التكاسل والتسويف، فقد كان لهما نصيب أيضًا، كما سحبت مشاكل الحياة وتعقيدها جماعة منهم عن حضور الجماعة.

وأما المرأة فهي تعاني من عدم تخصيص مكان لهن في أغلب المساجد، ويندر أن ترى مسجدًا على الطراز النبوي الشريف قد خصص لهن مكانًا، ويضم في أرضه الجنسين.

6. أين يكمن الخلل؟
أغلب المشاركات ركّزت على الجانب المعرفي والثقافي تجاه شعيرة صلاة الجماعة، فمنهم من اكتفى بكونها مستحبة، وآخرون رأوا تقصيرًا في الخطاب الديني الدائر والمؤثر، كما اقترح بعضهم إصدار فتوى ولائية توجبها على المستطيعين، كما أن للتربية الأسرية والبيئة الاجتماعية دورهما الكبير في إعداد الفرد ودفعه ناحية الالتزام بالجماعة، وكذلك المفاهيم المغلوطة تجاه شروط الإمامة ومن أبرزها العدالة لها دور في انحسارهم.

وإليك بعض النصوص الروائية المحفزة للجماعة، وعلينا التأمل فيها، منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: الصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة، تكون خمسة وعشرين صلاة. (1).

وفي صحيحة زرارة والفضيل قالا: قلنا له: الصلاة. في جماعة فريضة هي؟ فقال: الصلوات فريضة، وليس الاجتماع فيها بمفروض في الصلوات كلها، ولكنه سنة، ومن تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له. (2).

وفي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه (ع) قال: قال رسول الله ص: من صلى الخمس في جماعة فظنوا به خيرًا. (3).

وفي علل الشرايع (4) وعيون أخبار الرضا (5) روى الصدوق ره بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) قال: إنما جعلت الجماعة لئلا يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلا ظاهرًا مكشوفًا مشهورًا، لأن في إظهاره حجة على أهل الشرق والغرب لله وحده، وليكون المنافق والمستخف مؤديًا لما أقر به، يظهر الإسلام والمراقبة، وليكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة، مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى، والزجر عن كثير من معاصي الله عز وجل. (6) وغيرها من الروايات.

7. كيف يمكن معالجة المشكلة برأيك؟
اختلفت وجهات النظر لكيفية حل المشكلة، وتباينت الردود، منها:

• حملات إعلامية يقوم بها من بيدهم الإعلام المؤثر، كالخطاب الديني عبر المنابر في المساجد والمحافل الدينية تبيّن تلك الحملات أهمية صلاة الجماعة، وتحبب الناس فيها، وتشوقهم إليها، بخطاب مواكب للعصر، ويفهمه أهل هذا الزمان، والتفكير في ابتكار طرق جذابة يفهمها الجيل المعاصر، كي لا يكون الخطاب موجهًا لآباء القوم.

• رفع مستوى الوعي، وخاصة بين الشباب والناشئة، من خلال استهدافهم ببرامج توعوية من دورات طويلة وندوات قصيرة تصاحبها تطبيقات عملية.

• دور الأسرة في اصطحاب الآباء أبناءهم والأخوة الكبار إخوانهم الصغار، وتربيتهم على الالتزام بصلاة الجماعة، فهي تبقى في نفوسهم مدى الحياة.

• ربط الناس بالمساجد أوقات الصلوات في الفعاليات والتجمعات الاجتماعية، ومن ذلك إقامة المناسبات الدينية عقيب الصلوات في المساجد، حيث يلاحظ ازدياد رواد المساجد في تلك المناسبات.

• تفعيل صلاة الجماعة في كل مكان، وليس فقط في المساجد، بل في كل التجمعات، حيث لا يشترط في إمام الجماعة أكثر من الوثاقة الظاهرية ومعرفته بالقراءة.

• توقف الأنشطة العامة كالأندية الرياضية والأنشطة الشعبية قبل صلاة الجماعة بوقت كاف، ليتمكن المكلف من التهيئة لصلاة الجماعة في وقتها المناسب، وتجنب الرياضات ونحوها أول وقت أوقات الصلوات.

• إشراك المجتمع في الأذان والدعاء، وعدم حكره على أفراد محددين، والأهم منه تنوع الأئمة وتدويرهم بين المساجد ولو مرة في الأسبوع، وصلاة بعضهم خلف بعض.

• إلغاء الانتماءات والفئوية، وعدم تعقيد شرط العدالة في الإمام.

• تخفيف صلاة الجماعة قدر الإمكان، مع المحافظة على الخشوع فيها، وإزاحة كل ما يمكن أن يكون منفرًا للناس منها.

• عدم تعطيل المساجد كافة من صلاة الجماعة، بحيث تكون شائعة منتشرة في كل مسجد.

ختامًا:
نوصي أنفسنا بتحمل بعضنا بعضًا، سواء كنا أئمة أو مأمومين، والتماس الأعذار، والحمل على محامل الخير، وفتح أبواب المحبة والسلام بين المجتمع الواحد مهما اختلفت وجهات النظر، ومهما تغايرت المعتقدات، ومهما افترقت الآراء، فالدين واحد والرب واحد، والكتاب واحد، والقبلة واحدة، وكل يعمل على شاكلته، والجزاء عند الله بالأعمال.

جاء في حق إمام الجماعة عن الإمام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق: وأما حق إمامك في صلاتك؛ فأن تعلم أنه تقلد السفارة فيما بينك وبين ربك عز وجل، وتكلم عنك، ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وطلب وكفاك هول المقام بين يدي الله عز وجل، فإن كان نقصًا كان عليه دونك، وإن كان تمامًا كنت شريكه، ولم يكن له عليك فضل، فوقى نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته، فتشكر له على قدر ذلك.

والحمد لله أولًا وآخرًا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآل محمد الطيبين وأصحابهم المنتجبين.


(1) التهذيب ج3 ص25 ح85، وثواب الأعمال ص59 ح1، وعنهما في الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب1ح1.
(2) التهذيب ج3 ص24 ح83، وفي الكافي صحيحة حريز ج3 ص372 ح6، وعنهما في الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب1 ح2.
(3) الكافي ج3 ص371 ح3، والفقيه ج1 ص246 ح1093، وعنهما في الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب1 ح4.
(4) علل الشرايع ص262 ح9.
(5) عيون أخبار الرضا ج2 ص109 ح1.
(6) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب1 ح6.



error: المحتوي محمي