للحياة الزوجية السعيدة أسس ومعايير متى ما اتبعناها نعمنا بالاستقرار والتفاهم وراحة البال، ومن أهم تلك المعايير التي ينبغي أن تأخذ بعدها ومكانتها في الثقافة الزوجية هو حسن اختيار الشريك المناسب، فالحياة اليوم في تعقيد مشهدها وما يحمله الشاب والفتاة من تطلعات ومحددات لشخصيته، ومن يريد أن يكون عونًا له في مواجهة الصعوبات والهموم قد تبدلت واتسعت الرؤية لذلك، ولذا فإن السير على ما نسميه حياة الأولين وكيفية ارتباطهم وعلاقتهم الزوجية هو أمر غير صائب، فهناك فوارق واختلاف بين الظروف الحياتية والأعراف والاحتياجات المادية والمعنوية لابد من ملاحظتها والتدقيق فيها، إذ البعض لا يميز بين الثوابت والمتغيرات في النظام الاجتماعي وغيره، فيتصور أن الصورة ثابتة بكل أبعادها ولا تغير فيها ويجب أن نسير وفقها دون أي تباين، فالحياة الزوجية اليوم شراكة حقيقية تحتاج إلى بناء جسور الثقة والاحترام والتفاهم بين الطرفين على ما يتعلق بحياتهما ومستقبلهما، فالحوار بين الزوجين – مثلًا – بالأمس لم يكن يشكل عصب العلاقة بين الزوجين لبساطة الاحتياجات والعقبات التي تصادفهما، فيكفي الفطرة السليمة لاحترام الآخر وشيء من التوجيهات من الأهل بالعمل على راحة الطرف الآخر لإدارة علاقتهما والحفاظ على استقرارها، أما اليوم فالحياة الزوجية تكثر أبعادها ومتعلقاتها بما يحتاج إلى عقلية تحترم رأي الطرف الآخر وتستمع لرؤيته وتتقبل الاختلاف في وجهات النظر والبحث عن النقاط المشتركة والحلول المرضية، كما أن التضحية والتنازل وتقدير تطلعات الطرف الآخر ركيزة في الحفاظ على الاستقرار والسعادة، فكيف بنا إذا واجهنا أحد الطرفين من النوع المتزمت الذي يفرض رأيه ولا يولي أي أهمية لرأي شريك حياته، ويريد أن تسير علاقته الزوجية بنظام الأوامر الصارمة غير القابلة للنقاش؟
وغياب روح الحوار وإبداء الرأي والحوار حول أي مشكلة يمر بها الطرفان تعد كذلك ركيزة أساسية نفتقدها عند بعض شبابنا وفتياتنا -للأسف-، فالمتوقع والمرجو من الشباب المتعلم أكاديميًا أن يحمل روح التواصل والانفتاح على النقاش الهادئ في مختلف القضايا، بينما نرى أن الشاب أو الفتاة يرفض رفضًا تامًا الحديث حول سبب وجود فجوة عاطفية وضعف تواصل مع الطرف الآخر ويعتبره من خصوصياته ولا يريد الحديث عنه البتة، ومع كل تلك المحاولات من الأهل لفتح موضوع الخلاف الزوجي لابنهم أو ابنتهم ومطالبة أحد الطرفين بالانفصال ولكن تلك المحاولات للإصلاح واستطلاع أسباب الزعل والخلاف تبوء بالإخفاق، وبالتأكيد فإن رفض أحد الزوجين أو كلاهما للحديث حول الخلاف يعود لعوامل متعددة لسنا بصدد سردها ومناقشتها، ولكننا نركز على التربية منذ الصغر على الحوار الهادئ والتعامل مع العقبات والأزمات بحكمة ومنطقية لا يتلقاها البعض من هؤلاء الشباب، وبالتالي يزرع في نفسه الثقة بالنفس الزائدة والشعور بالوصول لحالة الكمال في كل شيء ومنها القدرة على اتخاذ القرار المناسب بمفرده ودون الحاجة لمشاورة أحد مهما كان، وهذا ما فاقم حالات الانفصال وذلك أن الكثير من الخلافات يمكن معالجتها بشيء من الحكمة والتفاهم والتنازل، ولكن الأنانية المفرطة تفرض وجودها فجعلت من أبسط الخلافات سببًا لطلب الطلاق منهما.
كما أن ثقافة الحياة الزوجية المشتركة ومراعاة ظروف الآخر والاهتمام به ومد جسور المشاعر العاطفية الصادقة والوازنة واحترام شريك الحياة والعمل على إسعاده، هي مفردات ضاعت في زحام الحياة المادية الطاغية والبحث عن المصالح وانتفاخ الذات، مما أدى إلى نظرة ندية حادية لا يرى فيها كل واحد منهما الآخر شريك حياته والجزء الآخر من روحه، وإذا أردنا تجنب الخلافات المتزايدة وما يتلوها من حالات الانفصال فعلينا تضمين تربية الشاب والفتاة قبل الإقبال على الزواج معاني الحياة المشتركة وكيفية نسج الانسجام والتوافق بينهما، بما يدعوهما للحوار حول أي مشكلة دون تحويلها إلى بؤرة اختلاف تتسع لتتحول العلاقة بينهما إلى انفصال عاطفي وصمت مطبق بعد أن استحكمت التراكمات السلبية.
النظرة الشرعية اقتصر مفهومها للتعرف على الجانب الشكلي للطرف الآخر فقط، متناسين أن ذلك لا يخلق حالة التقارب والتفاهم والانجذاب للآخر، ولذا ينبغي أن تكون الرؤية الشرعية شاملة للتعرف على صفات الآخر وتطلعاته ونظرته للعلاقة الزوجية بمعرفة ومتابعة الأهل من الطرفين، فالحياة الزوجية في الزمن الماضي لها أعرافها وهي جميلة وناجحة في أغلب حالاتها لذلك، ولكن في وقتنا الحاضر هناك مستجدات لابد من مراعاتها في العلاقة الزوجية لتحظى بالاستقرار والفاعلية.