في القطيف.. البراحة 3 تأبى أن يغيب مؤسسها.. لقاء الخنيزي مع الدعلوج والزاير يحيي روح المهندس عباس الشماسي

تراجع الزمان يوم الجمعة 18 مارس 2022 م، بزوار ملتقى البراحة بالقطيف إلى تاريخ 9 نوفمبر 2018 م، ذلك التاريخ الذي لم يكن تاريخًا عابرًا في ذاكرة القطيف، حين ترافق المهندس صلاح الدعلوج، ورائد أبو عزيز، وأمين الزهيري الرئيس الحالي للجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف بمعيّة المهندس المرحوم عباس الشماسي متوجّهين إلى إحدى الفعاليات بجمعية الثقافة، والفنون بالدمام؛ لافتتاح معرض تشكيلي للفنانة الشكيلية ذكريات الزوري.

وفي طريقهم أبلغ الدعلوج الشماسي باعتماد مشروع “الأسر المنتجة” للجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف؛ فما كان من الشماسي إلا أن تشاور مع المجموعة بشأن اقتراح مكان معين، واسمٍ مناسب للمشروع، مع كون المكان ببالهِ مسبقًا؛ فعددوا لهُ الأماكن مع الأخذ بالسلبيات، والإيجابيات فيها؛ لكنّه اقترح عليهم ساحة قلعة القطيف لتكون مقرًا، ولينبثق اسم “البراحة” من وقتها باسمهِ، وباختياره؛ ليربط المكان بالمُسمى، وليكون شاهدًا على رجل العطاء، والخير، وقامة عظيمة من قامات العمل الاجتماعي بالقطيف المشهود لها بالفضل، والسبق.

تكريم الغائب الحاضر
في وقفة تكريم واعتراف بالفضل لمؤسس البراحة المهندس المرحوم عباس الشماسي، خصصت لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف إحدى فعالياتها لتكريم الشماسي في لقاء خاص أدارهُ عضو مجلس إدارة التنمية الاجتماعية محمد الخنيزي، وسلّط الضوء من خلالهِ على منجزات الشماسي الراحل في البراحة تحت عنوان” البراحة فكرة وتنفيذ” يوم الجمعة 18 مارس، باستضافة رئيس لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف سابقًا المهندس السيد صلاح الدعلوج، وعضو المجلس البلدي بالقطيف سابقًا عباس الزاير.

أيقونة العمل التطوعي
نسب الدعلوج الفضل الأول لنشأة، وتبلور فكرة “البراحة1” والتي امتدت لنسختها الثالثة حاليًا للمهندس عباس الشماسي رحمهُ الله، واصفًا إياه بأيقونة العمل التطوعي؛ فقد طرق جميع أبواب العمل الخيري، والتطوعي، والاجتماعي، والتنموي، وكانت “البراحة”جزئية من جزئيات العمل الاجتماعي الكبير الذي تبناه الراحل فكرة، وتأسيسًا واختيارًا للمكان والمُسمى، واستغرق العمل في “البراحة 1” ثلاثة أشهر في التنفيذ، وتكوين قاعدة الأسر المنتجة، وإبرام العقود الخاصة معهم، وتكوين بيانات المتطوعين، وتأسيس وحدة إعلامية، وغيرها من متطلبات المشروع، إلى أن تم تنفيذ العمل، وإنجازه.

أينما حلّ أزهر
وحول سؤال الخنيزي للزاير عن إعداد الشماسي للبراحة من خلال البلدية، والمجلس البلدي أجاب قائلًا: “لقد عاصرتُ الراحل لمدة تفوق الـ 30 عامًا في مجالات مختلفة من أبرزها العمل الاجتماعي، والتطوعي؛ فوجدتهُ طوال تلك الحقبة رجلَ خيرٍ أينما حلّ تحل البركة معه، وقد سعى جاهدًا لخدمة مجتمعه، وشغل تفكيره استغلال كل الموارد المتاحة في البلدية، والأراضي التابعة لها، وكذلك المساحات من المشروعات التي لم تُستغل الاستغلال الأمثل.

وأردف: وبحكم منصبهِ، ومركزهِ في المجلس البلدي، وعلاقتهِ القوية مع المسؤولين، ومع رئيس البلدية حينها زياد المغربل، وبعده المهندس زياد الحسيني، ومن خلال تواصله، وعلاقته الوطيدة، وتواصله الشخصي مع معالي أمين المنطقة الشرقية المهندس فهد الجبير؛ فقد حُمِلت آراؤه محمل الجد فيما يخص مهرجان البراحة الأول، كونها لم تكن طلبات شخصية، وإنما هي خدمات مجتمعية كما عرف عنه دومًا.

وأضاف: بدأ المسار الرسمي بعدها للمشروع، وكانت الانطلاقة الأولى للمهرجان، لتتبعها النسخة الثانية، وها هي النسخة الثالثة منهُ مقامة حاليًا تتجلى فيها روحه في كل زاوية من زوايا المكان.

ملتقى مكاني جاذب
وأفصح الدعلوج أن هناك عمقًا تفكيريًا في اختيار الشماسي لهذا المكان الذي لم يختره عبثًا؛ فقد رغب من خلالهِ إبراز تراث المحافظة، والبيوت القطيفية؛ فأصبح هذا الملتقى المكاني جاذبًا للسياح الذين رأيناهم في المهرجان، إضافة لتلك العوائل التي احتضنتها تلك البيوت في زمنٍ ما؛ فعادوا إليها من خلال المهرجان بأرواحهم متذكرين ذلك الماضي الجميل، وذكرياته الطيبة، إضافةً إلى أن القلعة تقع في وسط القطيف؛ ممّا يسهل على الجميع الوصول إليها.

وأكمل: القلعة كذلك من الأماكن التي لم تستغل الاستغلال الأمثل رغم كلّ ميزاتها، وهذا سببُ مهم لكي تقع عيناه عليها، كما لم يغب عن بال الشماسي دور البلدية الذي رآه شريكًا استراتيجيا في تقديم الخدمات، والصيانة، والوقوف جنبًا إلى جنب إلى مسؤولي البراحة؛ لإنجاح المهرجان.

ماضيها يحتضن حاضرها
وأوضح الزاير أن البراحة بنسخها الثلاث استطاعت أن تجعل أهداف الشماسي ملموسة على أرض الواقع، من إحياء التراث القطيفي ببيوته، وعمارته، وأزيائهِ التراثية للرجال، والنساء، ومأكولاتهِ الشعبية المختلفة، والأعراس القطيفية قديمًا، ونشر الحب، والسعادة بين أفراد المجتمع القطيفي، وهو ما لُمِسَ من انطباعات زوار المهرجان، وسعادتهم، وبهجتهم بما رأوا من فعاليات، وتراثيات فيه.

مناقب رجل
وأشاد الدعلوج ببعض مناقب الشماسي الراحل رجل الخير والعطاء، ذاكرًا أنّ الفضل يعود إليهِ في وضع استراتيجية خاصة للجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بالقطيف حين اعتمد على استشاري خبير في ذلك، وضمّن استراتيجته عددًا من الركائز، أهمها وأولها البناء في العنصر البشري، ثم تهيئة بيئة العمل المناسبة، يليها إدخال التقنية، ووضع رؤية، ورسالة خاصة باللجنة، ومتابعة الأعمال السابقة للجان والتي منها انطلقت اللجنة، وطورت من عملها، وكذلك تأهيل مركز الرعاية النهارية، كما يرجع الفضل إليه في إصدار أول ترخيص معتمد من وزارة التعليم لروضة القطيف بعد أن كان الترخيص مقتصرًا على وزارة الموارد البشرية”.

وإنجازات أخرى
وأكمل الدعلوج تعدادهُ لأهم منجزات الشماسي الخيّرة؛ فقال: تتجلى أبرز إنجازات رجل العطاء الراحل في إقامة جائزة القطيف للإنجاز في نسختين متتاليتين؛ لتتويج الفائزين من أبناء المنطقة، وأبناء المنطقة الشرقية أيضًا في كثير من المجالات الفنية، والأدبية، وإقامتهِ، ورعايتهِ للعديد من الورش في الفن التشكيلي، والتصوير الضوئي، والخط العربي، والمسرح، والتصوير الفوتوغرافي.

وأعقب: ولا ننسى النسختين اللتين أقامهما من “سيدة أخلاق البر” ولاقتا نجاحًا باهرًا لافتًا، كما فتح “فاب لاب” القطيف أبوابه على يديه أيضًا، وتبقى البراحة أيضًا شاهدًا حيًّا على منجزاته، والمكاسب الذهبية التي حققها للمحافظة.

إداري محنك
وعن المقومات الأساسية التي تمتع بها الشماسي، وعززت نجاح هذا الملتقى بجميع نسخهِ، أوضح الزاير أن الشماسي رجل قل نظيره مميّز في عطائه، وأجرى الله على يديه الخير لمنطقته، وكان خير الناس ونفعهم هو المقدم الأول لديه، وقد تعلّم منه جميع من عمل معه بكل ما كان يتمتع بهِ من ميزات القائد الذي لا نظير له؛ فهو إداري مخضرم، ومحنك من الدرجة الأولى، واستطاع أن يجمع بحنكته فريق عمله بكل انسجام، وقوة، وتآلف.

وتابع: خير مثال لحنكتهِ أن رئيس المجلس شفيق آل سيف كان يسند إليه زمام أي أمر شاق أو مهمة صعبة سواء أكانت داخل، ووسط المجلس أو خارجه، بل ويستعين به للمهمام التي تتطلب السفر للرياض، وكانت جميع هذه المهام تتكلّل دائمًا بالنجاح، وما نجاحات هذا المهرجان، واستمراريته إلا بفضل جهوده، وتضافر من حوله، وحالة الانسجام التي خلقها، وأوجدها بين فريقه.

مداخلة اعتراف
وعقّب الخنيزي على حديث الزاير بأن فريق العمل مع الشماسي _وهو أحدهم_ وصلوا لحالة عالية من الأريحية في العمل معه؛ لما تمتّع به رحمه الله من حسٍ عالٍ من المسؤولية، ومساندة فريقه بقوة، وعدم التهرب أو الاتكال حين وقوع مشكلة ما مع أحد أعضاء الفريق.

وعرض بعدها مقطعًا مرئيًا أعدتهُ الزميلة”جهينة” تناولت من خلاله كلمات تقديرية من المسؤولين في لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف في حق الراحل رحمهُ الله.

كتاب المستقبل
وحول” هندسة المستقبل” وهو الكتاب الذي ألفه الشماسي أوضح الدعلوج أنّ الكتاب يضم 50 مقالة كتبها الراحل، واصفًا إياه بالكتاب الرائع، والثري جدًا، وقد تم شرح الكتاب من قبل حسين خضر في مناسبتين سابقتين، بيّن من خلالهما بعض محتويات الكتاب مثل؛ البناء، وعملية التخطيط التي تسبق الميزانية، ورؤية المملكة، والتحديات، ومقالات عن الجودة، والإتقان.

وبيّن الدعلوج أن هناك 4 مقالات أثارت انتباهه من بينها مقالته في الراحل عبد الله الشماسي، وأساليبه الإدارية، ومقالهُ عن رجل العطاء محمد رضا نصر الله، وبعض ما قدمه هذا الرجل لمجتمعه، ومقالتهُ التي خصّصها في إحسان العطاء إحسان الجشي رحمه الله، ورابع المقالات في الفضائل التي تمتّع بها عبد الغني السنان.

وأكدّ الدعلوج أن الشماسي كان رجلًا يعطي كل ذي حق حقه، ولا يتوانى عن تقديم التكريم لكل من يستحقه، واستشهد على ذلك بمحادثة هاتفية كانت له مع الشماسي قبل 3 أيام من جائحة كورونا يخبره فيها بصدور الموافقة على الشخصية التي كان الراحل يرغب بتكريمها، ولكن نظرًا لظروف الجائحة لم تسنح لهُ الفرصة بذلك.

وأردف: إننا الآن في الجمعية نسعى لتكريم هذهِ الشخصية؛ لاستكمال ما بدأه الشماسي، ولكني لن أحرق الورقة بالإفصاح عنها حاليًا”.

جمعية القطيف
واسترجع الزاير موقفًا من مواقف التحدي التي كان يتمتع بها المهندس الراحل؛ ففي أيام جمعية القطيف الخيرية، كان المبنى قديمًا، ولا يليق بما كان يصبو إليه الشماسي من لجان، ومشاريع وشؤون تطويرية؛ فأخذ يبحث عن صرح ملائم، ودائم للجمعية، وأنشطتها ضمن مخططات كثيرة، إلى أن وقع اختياره على مخططات تشتمل على خدمات عامة بالإمكان تحويلها فيما بعد إلى خدمة اجتماعية، وتم اختيار مكان الجمعية الحالي في منطقة البحر رقم د/31، وجرت المخاطبات بين جمعية القطيف الخيرية، والشؤون الاجتماعية، ومنها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، ومن ثم إلى وزارة الشؤون البلدية، والقروية وتحولت إلى أمانة المنطقة الشرقية.

واستكمل حديثه: كان لعلاقة الشماسي مع معالي أمين المنطقة الشرقية المهندس فهد الجبير الدور الكبير في تيسيير الأمور، واستكمال الإجراءات؛ لتأتي بعدها مرحلة التشييد والبناء، حيث أخذ الشماسي على عاتقه ألا يمس أموال الجمعية المخصصة للفقراء والمحتاجين، وشكل فريق عمل باسم” لجنة المشاريع” من داخل الجمعية، وخارجها، وبدأت مراسم الإنشاء، والتشييد بالتعاون مع مكتب العوامي العقاري.

حان الآن
وكشف الدعلوج في ختام اللقاء عن حكاية اللوحة التي تحمل صورة المهندس الراحل رحمه الله، ذاكرًا أنها كانت أمنية سابقة للفنانة التشكيلية ذكريات الزوري تمنتها في حياته، وطلبتها منه، لكنه طلب منها تأجيلها لحين إتمامه لبعض المشاريع، والمهام؛ فكان القدر أسرع منه ومنها، ورحل الشماسي عن الحياة دون تنفيذها.

وتابع: حين تقرر تنفيذ اللقاء عن حياة الراحل في مهرجان البراحة3 واتصل بي محمد الخنيزي لإخباري بذلك، تذكرت محادثة الزوري لي عند وفاته معزية، وإخبارها لي بشأن اللوحة؛ فما كان مني إلا أن اتصلت عليها مخبرًا إن اللوحة حان حينها؛ فأنجزتها هدية منها للجنة لنعرضها ضمن تكريمهِ هذه الليلة، والحبر لم يجف بعد”.




error: المحتوي محمي