المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ

نِعَمُ الله جلَّ وعلا لا تُعدُّ ولا تُحصى على عبادهِ وكما قالَ سبحانهُ: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 18]، ومِنْ النِّعَمِ الْتي لا يُدركَ الإنسانُ أهميتها إلا إذا فقدها وحُرِمَ مِنْهَا، وقد جعل الله لنا أسبابًا لديمومتها وسرًا لبقائها؛ وهو الشكرُ على ما أعطى وأنعم؛ حيث قال عزَّ شأنهُ وعلا ذكرهُ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

من هذه النعم الكثيرة التي أعطانا إياها ومَنَّ بِهَا علينا نعمة اللِّسَانِ؛ دعونا نتناول هَذِهِ الْجَارِحةِ ونُحَققُ مِنْ وراءِ ذلكَ عدةَ مطالب؛ منها تعريفها وتركيبها الداخلي ووظيفتها ومظهرها الخارجي (فسيولوجيًا، ومورفولوجيًا)، ثم نتعرض لدورها في تحديد مسار الإنسان الدنيوي والأخروي.

يمكن تعريف اللِّسَان علمياً؛ هو عضو عضلي موجود داخل الفم، ويرتبط بالفك عبر سبع عشرة عضلة تؤمّن له حركته وعمله، ويغلف سطح اللسان غشاء مخاطي تغطيه آلاف الحليمات الصغيرة التي تحتوي في أطرافها على نهايات عصبية بمثابة حاسة التذوق ويكون سطحه مبللاً باللعاب مما يبقيه رطبا، ويغطي سطح اللسان العديد من الحُليمات التي تنقسم إلى أربعة أنواع: الخيطية والكمئية والورقية والكأسية، كما يقسم اللسان إلى أربع مناطق للتذوق:

1- منطقة التذوق والإحساس بالأطعمة الحلوة مثل السكريات وبعض أنواع الأحماض الأمينية وهذه المنطقة توجد في الطرف الأمامي والثلث الأول من اللسان.

2- منطقة تذوق الحوامض وتوجد في الجانبين الأيمن والأيسر من اللسان.

3- منطقة تذوق الموالح وتوجد في الطرف الأمامي للسان.

4- أما المنطقة الرابعة والمسؤولة عن تذوق الأطعمة المرة فتوجد في الجزء الخلفي؛ الثلث الأخير من اللسان.

وتتأثر حاسة التذوق بعوامل كثيرة منها؛ وجود التهاب أو اضطراب في الجهاز التنفسي أو في حاسة الشم، وذلك يبدو واضحًا عندما يصاب الإنسان بالزكام أو بانسداد في أنفه لا يحس بطعم ما يتناوله وعندما تتأثر حاسة الشم عنده فإن طعم ما يتناوله يصبح مرًا، كما تؤثر درجة حرارة الأكل الذي نتناوله على حاسة التذوق فأنت لن تحس بطعم اللحم المشوي أو البطاطس المقلية إذا كانت باردة كما أن التوابل والفلفل الأسود أو الأحمر (الشطة) تسبب إحساسًا محرقًا في اللسان يؤثر على تذوقنا لطعم ما نتناوله. فعمل اللسان متنوع، من تحريك للطعام؛ مضغ، بلع، تذوق، وتكلم.

ينقسم سطح الفم العلويُ إلى ثلثين أماميين داخل الفم، ثلث الخلفي بلعومي، ويقسم الجزأين شق ذو شكل V.

أما عضلات اللسان فمنها الداخلية الواقعة داخله بالكامل، بينما تربطه العضلات الخارجية بأعضاء الجسم الأُخر؛ العضلات الداخلية تقلّب اللسان حسب الكلام أو البلع، فهي تجعله أطول أو أقصر، منحنياً أو مستقيماً، أما العضلات الخارجية فترجع اللسان إلى أصله أو تحركه عبرَ الفم، العضلات الخارجية تبدأ من أماكن خارج اللسان وتمتد حتى اللسان لتلتصق به؛ أربعة أزواج من العضلات الداخلية وأربعة أزواج من العضلات الخارجية.

ويسهم هذا العضو بوظائف حيوية غاية في الأهمية لجسم الإنسان؛ فله دور في نطق الكثير من الكلمات والحروف، كما يطلعُ بدور حيوي في تقليب الطعام وتذوقه ودفعه للبلع.

ومن خلال لون اللسان، يمكن الاستدلال على صحة الإنسان من عدمها، وعادة ما يكون لون اللسان الطبيعي زهريًا، وعندما يتخذ ألوانًا غير ذلك كاللون الأصفر فهذا يشير إلى وجود بكتيريا أو اللون الأحمر فهذا يدل على نقص بعض الفيتامينات ووجود بعض الأمراض وهكذا.

أما دوره الدنيوي والأخروي فهو يحدد كنه هذا الإنسان وصفته ومدى رجحان عقله من عدمه؛ ومما يعزز هذا المبنى ما ورد عن أميرِ المؤمنينَ علي (عليه السلام) قوله: “تكلموا تعرفوا، فإن المرء مخبوء تحت لسانه”. فكم من كلمة هوت بصاحبها، وبالمقابل كم من كلمة سمت ورفعت من قدر ومكانة قائلها.

كما ورد التحذير والنهي عن استخدام هَذِهِ الجارحة واستخدامها في غير ما أحله الله كاستخدامها في الفحش مِنْ القول بصفة عامة، فقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في وصاياه لأبي ذر رضوان الله عليه: “يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه وما بين لحييه دخل الجنة، قلت، وإنا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا؟ فقال: وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم، إنك لا تزال سالمًا ما سكتَّ فإذا تكلمتَ كُتبَ لك أو عليك، يا أبا ذر إنَّ الرجلَ ليتكلمَ بالكلمةِ مِنْ رضوانِ اللهِ عزَّ وجلَّ فيكتبُ بها رضوانه يوم القيامة، وإنَّ الرجلَ ليتكلمَ بالكلمةِ في الْمجلسِ ليضحكهم بها فيهوى في جهنم ما بين السماء والأرض، يا أبا ذر، ويل للذي يحدِّثُ فيكذب ليضحكَ بهِ القوم ويل له، ويل له، ويل له، يا أبا ذر من صمت نجا، فعليك بالصمت، ولا تخرجن من فيك كذبة أبدًا، قلت: يا رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدًا؟ قال: الاستغفار وصلوات الخمس تغسل ذلك”.

وقيل في اللسان ما قاله الخُبز أَرزي:
لسان الفتى حتف الفتى حين يجهلُ
وكلُّ امرئٍ ما بين فكَّيه مقتلُ
إذا ما لسان المرءِ أكثر هذره
فذاك لسان بالبلاء موكَّلُ
وكم فاتحٍ أبواب شرٍّ لنفسه
إذا لم يكن قفلٌ على فيه مُقفَلُ
كذا من رمى يومًا شرارات لفظه
تلقَّته نيران الجوابات تشعلُ
ومن لم يقيِّد لفظه متجملاً
سيُطلَقُ فيه كلُّ ما ليس يجملُ
ومن لم يكن في فيه ماءُ صيانةٍ
فمن وجهه غصن المهابة يذبلُ
فلِم تحسبنَّ الفضل في الحلم وحدَه
بل الجهل في بعض الأحايين أفضلُ



error: المحتوي محمي