غربة المثقف وانعكاس الماء

إن المثقف غريب في مجتمعه ، إحساس غربة في اتجاهاتها الضمنية لا الواقعية . يعرف معجم المعاني الغربة بكونها النوى والبعد ، تباعًا في الدلالة ، ليطلق عليها الوحشة . إذًا مقولة أن المثقف غريب بين أوساط مجتمعه ، لا تتحقق جسديًا ، بحيث أنه جزء من أجزاء المجتمع ككل ، ربما الذين ، يوافقون على أن المثقف غريب ، أرادوا بذلك ، الأمور الثقافية والفكرية ، التي تكون حصيلة الزخم المعرفي ، والإدراك الاجتماعي إلى آخر القائمة . وعليه فإنتوصيف المفارقة الثقافية والاجتماعية بين مكونات المجتمع ، لتبدو في حينها أن ثمة غربة ، تكتنف المثقف ، في حين أنها ، تعتمد على مدى مقبولية هذا المثقف أو ذاك .

إن الثقافة ، تمثل جسر عبور بين فئات المجتمع ، حيث أن اللغة ، تعد مسار التواصل ، مع الآخر – الإنسان – ، هي لغة التخاطب ، وفيها تكون العلاقات الاجتماعية بالضرورة بمكان ، لتأخذ في بوصلتها العلاقات الثقافية والفكرية . إذًا أين يكمن توصيف الغربة ، بالتالي ، يرى البعض أن تفاوت المستويات الثقافية والأنساق الاجتماعية ، لهي من مسببات ، إحساس المثقف بأنه ضمنيًا ، يعيش حالة من الوحدة – إن صح التعبير – ، أو بالأحرى تقبله ، قد يشوبه الغبار ، لما يحمله من أفكار وثقافة . ومنه لا نعتقد – تطفلاً – ، أن المثقف ، لغريب في مجتمعه ، لأنه يرتكز على مدى فاعلية علاقاته ، سواء الاجتماعية أم الثقافية الفكرية . حقيقة ، يتذرع بعض المثقفين بأنهم غرباء ، ليرموا اللوم والعتب على المجتمع ، بكونه مجتمعًا لا يمتلك ثقافة ، تتوافق مع ثقافتهم عموديًا وعرضيًا ، ليكونوا ” نسخ ولصق ” ، هذا بنسبة وقدرها – عليك اكتشاف النسبة – .

منطقيًا انعكاس الماء ، ليس حقيقيًا، ولا يمتلك خصائص الماء ، ولا واقعيته ، لكنه يعكسه ، كصورة . إن المثقف ، قد يفسر – جدلاً – ، الرأي والمعلومة والتطلع المخالف له ، بأنه يعد مبررًا له ، ليطلق على نفسه غريبًا بفكره وثقافته . لا بد من الاختلاف ، تعانق الأفكار واتساعها ، تلاقحها ، فإنه يولد أفكارًا نوعية ، ويثري الساحة الثقافية والفكرية ، لتكن ولادة . لذا ينبغي على المثقف ، أن يقلب المعادلة ، فليس غريبًا ، نتيجة ما يشعر به ، لكنه في مكانته الثقافية ، يحتضن مجتمعه ، يطور من علاقاته الثقافية معه ، ليغرس في ذاته ، بأنه جزء لا يتجزأ من مجتمعه ، يسعى لأن يكون متفائلاً ، يخلق في ذاته وفكره ، صورًا ذهنية إيجابية ، حينها لن يشعر بأنه غريب ، ليكن لونًا ، يضاف إلى ألوان المجتمع ، ليرسم قوس قزح ، تبصره الأحداق جماليًا ، لتنتعش ذاته ، وتغري كنهه بالثقافة والفكر .


error: المحتوي محمي