حمام تاروت عليه اليوم طيرينِ واحد محنَّى وواحد أريش العينِ .
حبلت فخ الهوى باصيد لثنينِ
صدت المحنَّى وأخطيت بأريش العينِ
بهذه الأبيات الشعرية من الغزل وصف شاعر تاروت المشهور المرحوم “عيسى المحسن” حمام تاروت التاريخي، ولا صوت في المكان يعلو على صوت الشعراء الذين يتغزلون بجمال الطبيعة التي كانت في “جزيرة تاروت” في الزمن الماضي.
أعرف فضاء “حمام تاروت” الذي تمده عين العودة من نبعها الفوار من الجهة الشمالية لقلعة تاروت الشامخة، مثلما أعرف اسمي، وأحيط بتفاصيل طفولتي منذ بدايتها إذ اكتشفت ذلك الفضاء مع زملاء الطفولة والصبا، عندما كنا نهم بعبور المنطقة القديمة “الديرة” لنذهب إلى ذلك المكان الذي كان يتواجد فيه الكثير من الناس، ونري خليطًا من عباد الله يرتشفون الشاي المخدر داخل المقاهي الشعبية مثل: “مقهى حجيرات” التي كان يديرها المرحوم “حسن حجيرات” أبو إبراهيم، ومقهى “الناصري” التي كان يديرها المرحوم “حسن الناصري” أبو عقيل، لنكتشف حمام تاروت.
بمجرد انبلاج خيوط الفجر الأولى من كل صباح يستيقظ الناس في بلدتي “جزيرة تاروت”، ويذهبون إلى حمامها الشهير “حمام تاروت” يلقون عليه التحية، والسلام، ويغسلون أجسادهم فيه قبل أذان الفجر، وما أن ينتهوا، وينهضوا من الماء يقومون بعصر قطعة القماش التي يتسترون بها تحت الماء لينفضوا أجسامهم فوق زوايا دچة الحمام، ثم يتوضؤون لأداء صلاة الفجر داخل المسجد المعروف “بمسجد الحمام” قبل أن يزال، ويتم تغيير مكانه واسمه إلى “مسجد الإمام الحسن العسكري (ع)” بشكله الحالي عند دوار السوق.
ارتبط الناس في جزيرة تاروت كما هو في عامة القطيف بحبهم للإمام الحسين بن علي، وأهل بيته عليهم السلام، الذي جعلهم يبدؤون يومهم بقراءة حسينية في كل صباح داخل الحسينية المعروفة بـ”حسينية أبو كامل” في المنطقة القديمة “الديرة”، والقائم عليها المرحوم “علي أبو كامل” أبو محمد، يأتونها بعد صلاة الصبح مباشرةً ويتناولون فيها فريدات من التمر مع فنجان القهوة السوداء قبل أن يأتي الخطيب المرحوم “ملا خليل أبو زيد” أبو إبراهيم ويبدا بالقراءة الحسينية التي ينقلهم فيها إلى كربلاء المقدسة لترتاح نفوسهم بالبكاء على الحسين “ع”.
خليطًا من عباد نراهم يستحمون في حمام تاروت صباحًا ومساءً في الماضي، يسترخون على سخونة الماء لفترة ثم يتناولون حجرةً ملساء من بين أرجلهم تحت الماء، ليبدؤوا بإزالة الزوائد المتراكمة على أجسامهم وخصوصًا على واجهة كعب القدمين لسحق الشقوق التي برزة نتيجة لقسوة الحياة التي عاشها الناس، وجعلت الكثير منهم يمشون حفاة لعدم وجود أو توفر النعل في تلك الحقبة الزمنية.
تطورت الحياة بعد تلك الحقبة الزمنية، وتغيرت معها أداة فرك البدن التي رافقت رواد حمام تاروت لفترة طويلة، واستبدلت تدريجيًا بقطعة خلقة من القماش الخشن أو بلإزار الذي يرتديه البعض أثناء السباحة، حيث لا وجود للصابون، ومشتقاته في تلك الفترة الزمنية، وربما ترى البعض من رواد الحمام ملتصقًا بالأرض كما ولدته أمه مجرد من كل شيء سوى قطعة القماش التي يغطي بها محارمه عندما يرغمه الوقوف على أطراف دچة الحمام بغية القيام من الماء فيعصرها، ويعيد لِبسَها.
أجيال مرت، ورحلت يرحمهم الله لا تملك سوى قطعة من القماش لتغطية محارمها أثناء السباحة في حمام تاروت قبل أن تستبدل بلإزار، مشاهدًا ظلت مالوفة عند البعض أثناء السباحة في حمام تاروت، وبالخصوص مع كبار السن، وقد شهدنا مرات عدة صدامات بهذا الخصوص تصل إلى مناوشات حادة في بعض الأحيان تشهد لها بعض الصور الموثقة للسباحة في حمام تاروت، فحينما يتعرض مستحم من كبار السن لهمس، ولمز، وسخرية من الشباب بخصوص طريقة ستر عورته يتحول الحمام إلى حلبة تلاسن بين المستحمين.
ختامًا إن حمام تاروت واحد من المعالم التاريخية التي تحتضنها أرض جزيرة تاروت، لكنه عانى الإهمال مثل غيره من المعالم الأثرية في الجزيرة، ولا أظن أن الناس الذين عرفوا فضاء حمام تاروت لا يتحسرون عليه عندما دفنته الجرافات، بعدما جف نبع ماء عين العودة ليمروا إلى الحمام، فجف منه الماء ودفنَ بالتراب بحجج واهية، وأصبح ذكرى من الماضي نتحسر عليه.
* دچيچ هنا (جمع دچة) وهي مكان مرتفع عن ماء الحمام يجلس عليها الناس.