ذكرى الأربعين

إن يوم الأربعين يوم حزين! ارتبطت أرواحنا وقلوبنا بهذا الاسم وهذه الذكرى العظيمة والمتجددة عبر الأزمان لتمام أربعينية استشهاد الإمام الحسين (ع) وعودة السبايا من الشام لكربلاء والوقع العظيم الذي حل بآل بيت الرسالة عليهم السلام.

فالسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، وأين نحن ومكانة هولاء العظماء من تخليد لذكرى كل عزيز وغالٍ على قلوبنا! حيث هم السلوة من بعد كل فقد للأحبة، فها هي قد جرت العادة منذ ذاك العهد لهذا اليوم في إقامة مجالس العزاء بعد تمام الأربعين لأي حبيب بعد وفاته تخليدًا لذكراه وتجديدًا للأحزان وإقامة العزاء لروحه وإهداء ثواب العمل له. وها نحن نقترب من تجديد الحزن وتخليد الذكرى وإقامة مجلس العزاء لفقيدتنا المؤمنة الراحلة إلى جوار ربها المرحومة (صفية العقيلي)، وما أسرع الأيام وتتلوها الشهور والسنون وكان للتو يراود مخليتي انتظار قدوم جنازتها من المستشفى لتوديعها الوداع الأخير ونسألها براءة الذمة والحل، ويا للحسرة لم ننل ذلك من توديع، ووضع ذاك الجسد الذي نحله وأعياه المرض سنين قصار في ذاك البيت المظلم والصغير حيث العويل والبكاء ويعتري ذاك اليوم روحانية يوم الجمعة ورفرفت أجنحة ملائكة الرحمة حول ذاك القبر لحين أن استقام الجسد واستقرت تلك الروح ولكن! ستبقي مخلدة في ذاكرة وقلوب أحبتها وكل من عرفها وعاشرها بحسن سيرتها وطيب قلبها، فالمؤمن مخلد بعمله وروحه لا بالأجساد المادية البالية، فما هي إلا أوعية احتوت أرواحنا من بعد عالم الذر إلى يوم الموت المقدر والمحتم على كل بني البشر، فإنا إليه راجعون.

هنا ولا يسعني المقام إلا أن أطرح جزيئات من مشاعر الحزن والألم والشوق والحسرة التي خلفتها في قلوب أحبتها لشوق اللقاء وهيهات أن نلتقي في هذه الدنيا، حيث أصبحت الأحلام جزءًا من أمل اللقاء بك كل ليلة وستبقى حلقة الوصل وسيبقى الأمل متجددًا أيضًا بعهد اللقاء عند مستقر رحمته وبجوار أئمته الأطهار عليهم السلام، فلطالما كانت هي متمسكة بحبهم وبمجالس ذكرهم وبزيارتهم فندعوا الله أن يشملنا أيضا بالتوفيق وحسن العاقبة ونكون في مراتب المومنين الموالين المحبين المخلصين.

وأقدم عزائي لنفسي ولكل أحبتها وأقول: بصوت يدوي الفضاء من حولي أيتها الراحلة عن الديار اشتقنا لك ولهدوء شخصيتك وحسن محياك، واشتاق لك كل شيء؛ أهلك، وأخواتك، وإخوانك، وزوجك الذي خلفتيه وحيدًا والذي لطالما تمسكتي بمرافقته عمرًا طويلًا وكنت شريكة له في السراء والضراء وحريصة لعدم تركه، واشتاق لك بيتك الذي أنشأتيه وزرعتيه بالورود التي رعيتيها وسقيتيها، مدرستك، طالباتك، زميلاتك وصديقاتك، وكل شيء اشتاق لك، وما بعد هذا إلا أني أقول: تمنينا لو استقينا جرعة من كل ما حظيتي به؛ إيمانك وصبرك وقربك لربك، حينها لم نعلم بقيمة ما نعاشر إلا بعد فقده، ولا نعلم بخبايا أسرار ومكنونات شخصه إلا عند رحيله، فقد كنت مثالًا يحتذى به، في الصبر والعطاء وشغف العلم والإيمان والقرب من الله وأهل بيته، فقد فزتي والله فوزًا عظيمًا في الدارين لرسالتك التي قدمتيها لمن حولك فكنت رسولًا للعلم والتعليم فرحمك الله بواسع رحمته وألهم ذويك وكل أحبتك الصبر والسلوان ولروحك وأسلافك ومن مات على الإيمان سورة المباركة الفاتحة.

الأخت والزميلة، وزوجة الأخ والمحبة والمخلصة لروحك ولذكراك.



error: المحتوي محمي