
ما هي إلا أيام قلائل وتحلُّ علينا ليلة النصف من شعبان. هل سنستقبل هذه الليلة المباركة على ما نحن عليه من سوء خُلق أو تقصير في عبادة أو قطيعة رحم! أو إسراف وهدر مال في غير محله! أو عادات وطقوس لا تمت بصلة لا من قريب أو بعيد لما يريده الله جلَّ وعلا مِنَّا وما يرغبه ويرضاه في أن نكون عليه.
هل سوف نقضي ليلة النصف من شعبان في الأعمال والعبادات وصلة الأرحام وإخراج الصدقات وإصلاح ذات البين؟! أم تمتلئ تلك الليلة بالصخب والإزعاج والتجاوزات من قبل البعض والتي لا تخدم ولا تتماشى مع ما يرمي له الشارع المقدس ويريد تحقيقه من مقاصد وغايات في إحياء مثل تلك المناسبات.
مناسبة ليلة النصف من شهر شعبان المعظم التي هي ليلة من أشرف الليالي بعد ليلة القدر المباركة فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: “هي أفضل اللّيالي بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله العباد فضله ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها فإنها ليلة آلى الله عز وجل على نفسه ألا يردّ سائلًا فيها ما لم يسأل الله المعصية، وإنّها اللّيلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا (عليه السلام)، فاجتهدوا في دعاء الله تعالى والثّناء عليه”.
وقد ورد فيها أعمال أفضلها زيارة الحسين (عليه السلام) وهي أفضل أعمال هذه اللّيلة ثم الإتيان بالغسل، فإنّه يوجب تخفيف الذّنوب والحرص على إحيائها بالصّلاة والدّعاء والاستغفار كما كان يصنع الإمام زين العابدين (عليه السلام). ولا نغفل عن زيارة الإمام المهدي صلوات الله عليه. ومن أحب التوسع في الأعمال ينبغي عليه مراجعتها في كتاب مفاتيح الجنان للشيخ القمي.
ومن عظيم بركات هذه اللّيلة المباركة أنّها ميلاد سلطان العصر وإمام الزّمان سلام الله عليهِ، فقد ولد عند السّحر سنة خمس وخمسين ومائتين في سرّ مَن رأى، وهذا ما يزيد هذه اللّيلة شرفًا وفضلًا؛ ولهذه الليلة ميزة خاصة عن باقي الليالي، ومما زاد هذه الليلة شرفًا وهو ولادة نور من الأنوار المحمدية والتي بشرتنا الروايات الشريفة بهذا المولود العظيم الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا ألا وهو الإمام محمد بن الحسن المهدي الذي نسأل الله أن يجعلنا من المتبعين لنهجه الذي هو نهج جده المصطفى صلوات الله عليه وآله الذي وردَ عنه قوله: “السعيد من وعظ بغيره”.
لتكن هذه الليلة فرصة لنا لتصحيح ما كنا نمارسه من ممارسات خاطئة. ولا نغفل عن تلك المناسبة وما يستحب فيها من أعمال تزيدنا قربًا لله جلَّ وعلا.
وكم نحتاج للوقوف على بعض ما ورد عن أهل البيت في الحث على التحلي بالصفات والخلق الرفيع وتطبيق ذلك عمليًا؛ والذي يظهر النموذج الذي يريده الإمام جعفر (سلام الله عليه) في أن يكون فيمن ينتمي لهم ويتسمى باسمهم حيث قال: “كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية”. وقال أيضًا (عليه السلام): “كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زينًا ولا تكونوا شينًا”. وقال عليهِ السلام لتلميذه: “أي مفضل! قل لشيعتنا: كونوا دعاة إلينا بالكف عن محارم الله واجتناب معاصيه، واتباع رضوانه، فإنهم إذا كانوا كذلك كان الناس إلينا مسارعين”.
ومما وردَ عن الإمام علي (عليه السلام): إن الوعظ الذي لا يمجه سمع، ولا يعدله نفع، ما سكت عنه لسان القول ونطق به لسان الفعل. ومما ينبغي الاتعاظ به”، وقال الإمام علي (عليه السلام): “واتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم”، وعنه (عليه السلام): “من لم يتعظ بالناس وعظ الله الناس به”.
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.