كيف ينحرف العمل التطوعي عن مساره؟

لا شك أن العمل التطوعي هو عنوان عريض للمدينة، ومعيار دقيق للتقدم الاجتماعي في أي مجتمع، لقد سنت المملكة، وعدلت الكثير من الأنظمة المتعلقة بتنظيم العمل التطوعي ضمن استراتيجية وطنية عبرت عنها رؤية المملكة 2030 لدفعه إلى أفاق أوسع من تلك الأطر التقليدية الضيقة التي كانت تطوق تطبيقاته، وأساليبه.

ما زلنا نشاهد في القطيف تحديدًا، وهي مدرسة عملية للعمل التطوعي لم أرَ مثلها على مستوى المملكة بعض تلك الأساليب، والتطبيقات على الواقع التي لا تعكس فهمًا صحيحًا للعمل التطوعي، بل تخدش قيمته، ومكانته سواء في إبقائه، وحصره في الأعمال الخيرية فقط أو بتحريفه عن مساره الصحيح، وجره للأسفل عبر استغلال أكبر قدر من الطاقات، والكفاءات لأداء مهام هي من صلب أعمال مقاولين لجهات حكومية،-وهذا مثال شائع- توجيه واختزال الطاقات، والكفاءات الجاهزة للعمل التطوعي نحو أعمال بسيطة لا يمكنها أن تغير الواقع بدلًا من أن يتم توجيهها نحو متابعة أعمال تلك الجهات، وسد الثغرات التي تشوب الأداء لتحقيق قفزات نوعية في الأداء، أو أن يتم عنونة المهام التي تطلبها جهة حكومية معينة من بعض موظفيها بأنها ضمن الأعمال التطوعية.

إن تشويه وتحريف العمل التطوعي عن مفهومه فيه تبعات سلبية عديدة؛ لذا نجد أن التشريعات الأخيرة نظمته بشكل أفضل، ووضعت العقوبات على من يستغل المتطوعين من أية جهة كانت حتى لو كانت إدارة حكومية؛ فينبغي توجيه طاقات العمل التطوعي، والكفاءات المجتمعية لسد تلك المهام، والمسؤوليات المسماة اصطلاحًا بالمناطق الرمادية عبر شراكة حقيقية قادرة على التغيير.

إننا اليوم بحاجة لحصر الاستفادة من المتطوعين عبر التنسيق مع جمعيات تنظم شؤون المتطوعين، وتكون صلة الوصل بين المتطوعين، وطالبي الخدمة التطوعية كي تحفظ حقوقهم التي أقرها نظام العمل التطوعي، وليس تلك الصورة التي تحصره في مستويات هامشية أو في أعمال هي من صلب أعمال المقاولين الذين تدفع لهم الدولة مقابلًا ماليًا كبيرًا.

الجانب الآخر هو أهمية إشراك جمعيات أهلية متخصصة، للمشاركة في صنع القرار من خلال البحث، والتشخيص، واقتراح الحلول كي تثمر الجهود الكبيرة التي تبذلها بعض الجهات بدلًا من أن تذهب سدى.

وهنا يمكننا أن نأخذ كمثال: مستوى النجاح الذي حققته خدمة بلاغاتي البلدية، ومبادرة أصدقاء القطاع البلدي، حيث لم يستطع كلاهما تحقيق أي تقدم يذكر على مستوى الخدمة البلدية في القطيف -رغم الجهود الكبيرة-، بل حتى المبادرات التي قام، ويقوم بها الأهالي تطوعًا لم تستطع أيضًا تغيير الواقع أو تحسينه، فالمشكلة ليست في عدم وجود بلاغات أو نقص في كوادر مقاولي النظافة أو غيرها وإنما في مكان آخر نحتاج فيه للبحث، والتشخيص.

وهنا لا بد لنا أن نشيد ببعض الجمعيات الخيرية في المنطقة التي بادرت، وقامت تُشكل مجالس استشارية تطوعية من كفاءات المجتمع؛ لتقديم المشورة لمجالس الإدارة وليس لأداء مهام بسيطة.

لذا أعيد طرح اقتراحي السابق الذي ذكرته في مقال سابق قبل أكثر من أربع سنوات بعنوان (الجمعية الأهلية للتنمية البلدية بالقطيف) بشأن دعم البلدية لإنشاء جمعية أهلية للتنمية البلدية كي تمثل نموذجًا مهنيًا للتطوع المؤسسي، وخلق شراكة إيجابية منتجة مع البلدية، تزودها بالحلول المناسبة، وتقدم للبلدية التقارير الدورية بكل احترافية.



error: المحتوي محمي