ورد عن الإمام الكاظم (ع):(ما عال امرؤ في اقتصاد) (من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٦٤ ) .
من أهم المبادئ الاقتصادية التي تقوم عليها الأسرة هي إعداد الميزانية الخاصة بمصاريف أفرادها بما يتناسب مع الدخل المادي، تجنبًا للوقوع في العجز المادي أو الدخول في دهاليز الديون المظلمة، وما يترتب عليها من ضغوط نفسية متزايدة، وكذلك الأمر يتعلق بمداخيل الفرد وكيفية تحقيق تطلعاته المستقبلية، وإعداد ميزانية خاصة لكل هدف قصير يعمل على تنفيذه على أرض الواقع، وهذا الإعداد للميزانية من سمات الشخصية الناجحة والذي يعمل وفق خطة مرسومة تجنبه الهدر، والإسراف، والصرف الزائد دون حاجة لذلك، والإمام الكاظم (ع) يؤكد منذ مئات السنين على هذا المبدأ الاقتصادي المهم ويضعه في قالب حكمة قليلة في كلماتها، ولكنها تختزل هذا المضمون الكبير، والذي يدعو إلى تحقيق السلامة، والأمان أمام هجمات الزمان، والأزمات الاقتصادية التي تهجم دون سابق إنذار، ولو بحثنا في واقعنا لوجدنا عددًا ليس بقليل لا يشكو من عدم وجود مورد مادي، ولكنه يعاني من تسرب ذلك المدخول المادي ولا يكتشف وجود عجز إلا في منتصف أو نهاية الشهر؛ فيبقى في النصف الآخر من شهره متوترًا بسبب عدم وجود ما يغطي مصاريفه الضرورية ومستلزمات حياته الكريمة، وهذه المشكلة نجد حلها في المنهج الاقتصادي الإسلامي الذي يحرره الإمام الكاظم في هذه الحكمة النيرة، التي تدعو لتنظيم النفقات المادية للفرد والأسرة من خلال إعداد جدول يتضمن كل المصاريف وفق ما يمتلكه من دخل مادي.
كما أن هناك أمرًا آخر يتعلق بهذا التنظيم والتخطيط الاقتصادي ألا وهو مبدأ الادخار بتوفير جزء من المدخول فيجعله منقذًا له في أيام الضيق والحاجة؛ فهذا المخزون المالي يجمعه في كل شهر مثلًا فيقتطع جزءًا من راتبه، ويدخره لوقت حاجته في يوم من الأيام؛ فمن الخطأ أن يصرف المرء كل ما يحصل عليه من مال دون مراعاة لظروفه المستقبلية، إذ يصرف من ذلك الادخار في وقت الحاجة كأحد الحلول للمرور بسلامة بعيدًا عن الضغوط حتى انتهاء الأزمة وانفراجها.
ومما ينبغي التنبيه عليه هو بيان الفقر الذي نفاه الإمام (ع) عمن اقتصد في تدبير معيشته وعاش الاعتدال في صرفه؛ فإن الاعتدال هو جزء العلة لنفي الفقر، وذلك لكثرة الأسباب الموجبة لحدوثه كالحروب، والكوارث، واستئثار الأغنياء بالثروات دون الإنفاق بشيء منها على الفقراء؛ فالاقتصاد في المعيشة وتجنب حالة الإسراف واللهث خلف الموضات الجديدة سيجنب المرء الهدر في الإنفاق، إذ نجد أن هناك من ينفق الأموال على الأطعمة مثلًا، كما نجد ذلك عند البعض في الولائم التي يُرمى الكثير منها، بينما هناك من يتضور جوعًا، ويعتصر الفقر قلبه، ويحتاج لجزء بسبط من ذلك الطعام ليقتات به مع أسرته، وهذا التحكم في الإنفاق يعود بالفائدة على المرء نفسه حيث يبعده عن شبح الحاجة، ومن جهة أخرى فإن ما يوفره يفيده في وقت حاجته المستقبلية، كما أنه يوفر له موردًا للعطاء، والإنفاق على المحتاجين بجزء من ماله الذي لا يحتاجه ليكون له رصيدًا أخرويًا.
كما أن البعض يخلط بين مفهوم الاقتصاد، والبخل، ويجعلهما بمعنى واحد؛ فالبخيل قد يوظف بعض المعاني، والمفاهيم الدينية؛ لتكون مبررًا له في تقتيره على نفسه وأهله، فالبخل يعني التقصير في توفير مستلزمات الحياة الكريمة لنفسه ولأسرته، بينما الاقتصاد يعني الاعتدال في الإنفاق، وتوفير ما يحتاجه أفراد أسرته بما يحتاجونه دون إفراط وتبذير، وشتان ما بين من ينظم ميزانية أسرته ويضبطها وفق الاحتياج الحقيقي لهم باعتدال، وبين من يعيش حالة الفقر، والمهانة التي يجلبها لنفسه بسبب بخله وحبه لجمع المال وكنزه.
حسن تدبير مستلزمات الأسرة تقع مسؤوليته بنحو مشترك على الزوجين في إعداد الميزانية، وتربية الأبناء على الاعتدال في الصرف بما يتناسب مع دخل رب الأسرة، فقد وضع الإمام الكاظم (ع) الخط العريض لاقتصاد الفرد، والأسرة، وذلك كأحد أهم الحلول الناجعة؛ لمعالجة حالة الفقر والعازة وتجنب الاضطرار لمد اليد للآخرين .