اعتدتُ عند ركوبي الطائرة أن أخلو بنفسي أو أتقاسم الحديث مع كتاب أضعه بين يدي طوال الرحلة، ولكن هذه المرة قطعتْ خلوتي بنفسي إحدى الجالسات بجواري من اللاتي يشكين فوبيا الطيران يبدو الأمر متعبًا جدًا بالنسبة لهنّ؛ فهنّ لا يستمتعن بالجزء الأول من السفر.
حاولت بكل جهدي الحديث معها وقطع خيوط الخوف، والقلق التي حاكتها حول نفسها فقد أجريتُ حوارًا عفويًا معها بكل أريحية محاولةً إضفاء جوّ من المرح قبل إقلاع الطائرة، لكن قطع أحاديثنا الممتعة صوت قائد الطائرة، وهو يعلن اعتذاره عن ذلك الخلل الفني الذي أصاب الطائرة والذي سوف يمنعها من التحليق، ولا يمكن أن تقلع إلا بعد إصلاحه.
رأيت بعض ملامح الخوف التي ارتسمت على وجهها، وسرعان ما تداركتُ الموضوع وأدرتُ حديثًا جديدًا جعلتُها تتولى أمره فتحدثت عن نفسها، وقد تعمدتُ أن أعطيها جرعة قويّة من الثقة بالذات، وخلقتُ بذرة الشجاعة في أعماقها مما جعلها تندفع بقوة في أحاديثها التقليدية، وبعد فترة زمنية قاربتْ النصف ساعة أقلعت الطائرة بأمان، لقد ضل الخوف طريقه نحوها حيث كانت تتحدث بطلاقة وسعادة عن هوايتها، وعملها الحرّ، طوال الرحلة.
شكرتني كثيرًا بعد هبوط الطائرة قائلة: لأول مرة لا أشعر بالخوف بين الغيوم، لقد قطعنا الوقت بالأحاديث الممتعة، وأجزلتْ الدقائق العطاء؛ فأثمرت متعة وفائدة.
شكرتُها على لطفها وتمنيتُ لها يومًا سعيدًا، وافترقنا عند باب الطائرة، في خبايا الإنسان آفاق رحبة من الحبّ والرحمة، وهناك مشاعر إنسانية تتغلغل في زوايا النفس فلا تُحجم عن احتواء الآخرين في وقت حاجتهم لك بل لا بد من تلبية النداء الإنساني الذي يدوي بداخلك.
ربما نقلتْ لي رفيقتي مشاعر الخوف من الطائرة، والطيران عندما رأيتُ شدّة هلعها واضطرابها إلا أنني أُدرك ُجيدًا أن فوبيا الطيران حالة نفسية يُصاب بها 10 أشخاص من كلّ 100 شخص في الغالب، وهم بحاجة لوقفة انتصار معهم ضد الخوف والقلق حتى يهزموا ذلك الصراع القائم في أعماقهم .