أكتب هذه الخاطرة وقد رأيتُ فصلَ الشِّتاء شاخَ وفصل الرَّبيع بدأ شابًّا فتيًّا. اخضرار الأشجارِ وانتشار النِّساءِ والأطفال في مرح على شواطئ البحر وفي عمومِ الأماكن، دليل لا يترك مجالًا للشكّ بأن فصلَ الرَّبيع يقول: ها أنا ذا أتيت. عشنا أيامًا طيِّبة جميلة في فصلِ الشِّتاء ونحن في انتظاره أن يعود.
إذا تجمَّع أحفادي الصِّغار أرى كلَّ واحدٍ منهم يزعم أنه أكبر من عمره، كلهم مستعجلون أن يكبروا؛ أنا عمري خمس سنوات أحلف لكم، بالله، وهو بالكاد قطعَ جزءًا من الرَّابعة.. أنا طولي متر، لماذا لا تصدِّقونني؟ وهو أقل من سبعين سنتيمترًا. أما أنا جدهم فأموتُ لكي أعود صغيرًا في مثلِ أعمارهم، ولكن هيهاتَ هيهات:
ترجو الصِّبا بعدما شابت ذوائبها
وقد جرت طلقًا في حلبةِ الكبرِ
عيشوا كلَّ مراحل حياتكم، ولا تحرقوها وخذوها رشفةً بعد رشفة وعلى مهلكم، لا تتركوا فيها شيئًا. لا تستعجلوا أعماركم يا كتاكيت يا أفراخ، أغمضوا عينًا وافتحوا عينًا سوف ترون أنفسكم كبارًا. ومهما يكن فحيَاتكم لن تقاس بكم سنة ولا بكم متر، بل بما تنجزونه فيها، ولطالما حيَّر عقلي من أنجزوا في أعمارهم القصيرة ما عجز عنه من عاشَ السِّنين الطوال!
تأملوا يا صغار كيف تمر مرحلةُ الشَّبابِ وتتبدد سريعًا مثل الضباب، ويأتي بعد الشَّباب عمرٌ يحلو لنا فيه قول: آخ يا أمِّي آخ، أينك عني؟ تظهر أشياء وتفتح أبواب ليست في الحسبان. من أجل هذا اقتنصوا الفرصَ التي تأتيكم، فهذا الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام يقول: الفرصة تمرّ مرَّ السَّحاب، فانتهزوا فرصَ الخير.
قالوا عنها فرصًا تمر مرَّ السَّحاب ذلك لأنها تأتي بطيئةً وتذهب سريعة، فإذا ضاعت من يضمن عودتها؟ سوف تأتيكم الفرص والمخاطر والتحديات، والنَّجاحات والفشل. أجل، كشكول وبستان من الأحداث سوف تجدونه أمامكم، لا تستعجلوا! فإن كبرتم وأنا موجودٌ معكم كان بها، وأن كبرتم ولستُ معكم اكتبوا لي وكلموني، أخبروني كيف الحياة تسير معكم فذلك يسعدني كثيرًا.