بر والديك يبرك أولادك

{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [23 سورة الإسراء]. الكثير منا آباء وأمهات يتحدثون بمرارة عن عصيان وعقوق أولادهم، -وأعني بكلمة أولاد الذكور والإناث- والمعاناة في تزايد مطرد ومخيف قد تصل لحد الظاهرة.

يا ترى ما هي الأسباب وراء ذلك وهل بحثنا عنها؟ أم نريد حلًا دون الرجوع لأصلها ومعالجته؟ الحقيقة أكثر -ولا أقول الكل- مَن يعاني هم أساس المشكلة. نعم عندما يصف الولد أباه بالتخريف وأمه بالعجوز تحقيرًا واستعلاءً ويريحه ويضحكه سخرية صغاره من أجدادهم بدلًا من ردعهم . ماذا يرجو أن يُعامل إذا كبُر؟ يذهب لزيارة ابنته المتزوجة في بيتٍ أمُه تسكنه مرارًا ولا يذكر الأم حتى بسلام فضلًا عن قضاء ما تحتاجه وكأنها محرمة عليه ماذا ينتظر إذا صار إلى ما صارت إليه؟ البعض يرفع صوته على والديه إلى حد السباب ما يمنع أن ترفع الأصوات مستقبلًا في وجهه؟ يصل أحيانًا من أمر الولد ضرب أبيه والبنت أمها “وقد حصل” أو يُتخذا خدمًا من غير شفقة ورحمة ألا يُعامل بمثلها؟ أنقل واقعة حقيقية حصلت؛ قالت الأم لابنتها ما عملتيه خاطئ والصحيح كذا فانهالت عليها شتمًا وتهديدًا وصفعًا بالوجه أمام الحفيدات (وقد نُهينا عن أن نقولَ لِأمهاتنا أف) والأم تبكي بمرارة وتستغيث وترجوها أن تمهلها عشية ليلتها وصباحًا ترحل؛ ولكن لا مغيث لا مجيب لا مجير، حتى أخرجتها قهرًا في سواد الليل إلى الشارع تهمر الدموع لا تدل الطريدة طريقها ووجهتها ولا ما تفعل وإلى أين تأوي.

أي جرم ارتكبتَه ماذا فعلت أبعد أن قدمت كل غالٍ ونفيس هذا جزاؤها؟ أترجو هذه العاقة الظالمة أن يحسنّ لها بناتُها وقد شاهدن ما فعلته بأمها؟ إذًا ما تؤسسه اليوم تُعامل به غدًا هي النتائج الحتمية لتلك المواقف؟ أتراها لا تنعكس عليك؟ هيهات! نُقل عن الدكتور الشيخ أحمد الوائلي -رحمه الله- أنه جاء ذات يوم إلى مزرعة تلبية لدعوة صاحبها وما أن دخلها وإذا به يرى رجلًا نالت منه السنون وقد شُد وسطه بناعورة وهو يئن -الناعورة آلة بدائية لإخراج الماء من البئر وسقي الزرع- فضايقه ذلك فقال لصاحبه من هذا؟ قال هو أبي، قال: ولماذا تفعل به هكذا؟ وإذا بالرجل المُنهك يرد قائلًا: دعه لا تلمه يا شيخ لقد شددت أبي هنا عشرين سنة.

مشاهد كثيرة أنا رأيتُها بعيني تدمي الضمائر الحية أذكر منها في دائرة حقوق مدنية قبل ثلاثين سنة ولد رافع دعوى على أبيه يطالبه بألف وخمسين ريالًا وآخر يطالب أمه بسبعة آلاف ريال وقد أناب وكيلًا لرفع دعواه عليها. ماذا تعني لنا هذه. من غير شك أنها أشد من العقوق بل التعدي على الحقوق ونكران الجميل.

وجواب أخير نوجهه للمعنيين بهذا فنقول: “كما تدين تُدان – وبر لِتُبر” يأتي يوم تحصد ما زرعتَ فاختر زرعًا يطيب ريحه ويسرك حصاده ويحلو لك أكله.



error: المحتوي محمي