بطلة كربلاء

ما أن يطرق سمعك اسم زينب حتى ترتسم أمامك صورة لتلك المرأة العظيمة، التي وقفت كالطود الشامخ أمام تلك المصيبة العظيمة، مصيبة كربلاء التي اهتز لوقعها الكون، وبكت السماوات والأرضون دمًا لمقتل سيد الشهداء عليه السلام.

تمسكت السيدة زينب بقيم البطولة والعزة والكرامة، بقيت رافعة لراية الحق والإيمان، وتابعت مسيرة الإصلاح في الأمة.

إنها زينب عليها السلام صوت الحسين وصولته. ودم الحسين وديمومته. وشخص الحسين وشخصيته. وبصر الحسين وبصيرته.

تعالوا نتأمل في كلمات السيدة زينب عليها السلام لنتعلم منها قيم البطولة والخلود:

بث الهمة والتصبر
من الدروس العظيمة التي قدمتها لنا السيدة زينب عليها هي بث الهمة وإعطاء شحنة من الأمل والتصبر، فمهما كانت المصائب إلا أن العلو والخلود سيكون حليف أهل الإيمان.

لقد صمدت السيدة زينب أمام تلك الفاجعة، وبثت روح الصمود في أهل البيت (عليهم) فقد نقل الإمامُ السجادُ (ع) بقوله: “إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا، وقُتِل أبي عليه السلام، وقُتِل من كان معه من وُلدِهِ وإخوته وساير أهله، وحُمِلَت حرمُه ونساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلتُ أنظر إليهم صرعى، ولم يُوارَوا، فيَعظُمُ ذلك في صدري، ويشتد لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج، وتبيّنَتْ ذلك مني عمتي زينب بنت على الكبرى، فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟، فقلت: وكيف لا أجزع ولا أهلع، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرَّعين بدمائهم مرمَّلين بالعراء، مسلَّبين لا يكفَّنون ولا يوارَون، ولا يعرِّجُ عليهم أحد، ولا يقرَبُهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر. فقالت: لا يجزَعَنَّك ما ترى. فواللهِ إن ذلك لعهدٌ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسومَ المضرَّجةَ وينصِبون لهذا الطف عَلَماً لقبر أبيك سيد الشهداء (عليه السلام) لا يُدرَسُ أثرُه، ولا يعفو رسمُه، على كرور الليالي والأيام. ولَيَجتهدَنَّ أئمةُ الكفر وأشياعُ الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمرُه إلا علواً.”(1)

وها هي قبة الإمام الحسين شامخة، مشعة بنور الإيمان، يقصدها الزائرون من كل مكان.

إيقاظ الضمائر
خطبت السيدة زينب خطبتها العظيمة في الكوفة فقالت: يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة. إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم. ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف؟ والصدر الشنف؟ وملق الإماء؟ وغمز الأعداء؟ أو كمرعى على دمنة؟ أو كفضة على ملحودة؟ ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون. (2)

هذا المجتمع هو بحاجة إلى هزة عنيفة لكي يستيقظ من غفلته، ولكي يعي ما فعله بسيد شباب أهل الجنة وأهل بيته عليهم السلام، فكانت هذه الكلمات اللاهبة بمثابة الزلزال العنيف الذي ضرب تلك العقول وأيقظها من سباتها. فكان لها ما أرادت حيث نهض التوابون والمختار وأخذوا بثأر الحسين عليه السلام.

خطاب العزة والشجاعة
كلمات السيدة زينب كلمات عزة وكرامة وشجاعة، من يقرأ كلماتها وخُطبتُها في الشّامِ حيثُ قالَت: فكِد كيدَك واسعَ سعيَك، وناصِب جهدَك، فواللهِ لا تمحو ذكرَنا، ولا تميتُ وحيَنا، ولا تُدركُ أمدَنا، ولا ترخصُ عنكَ عارَها، وهَل رأيُكَ إلّا فنَد، وأيّامُكَ إلّا عدَد، وجمعُكَ إلّا بدَد (3).

من يقرأ هذه الكلمات ستلهمه قيم العزة والكرامة والشجاعة والإباء.

هكذا هي السيدة زينب قدوة صالحة، ومثل أعلى لكل القيم والمثل الإسلامية، ومنها نستلهم دروس الإصلاح، ودروس بناء المرأة المسلمة الملتزمة بالقيم، المرأة التي تصنع لها موقعية إيجابية في المجتمع.

الهوامش:
(1) المجلسي، بحار الأنوار ج 45 ص 179
(2) (زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 286).
(3) مقتلُ الحُسينِ للخوارزميّ ج2 ص73



error: المحتوي محمي