عليٌّ جوهرة نادرة في خزائن الحياة

إن الحقبة الزمنية التي يتواجد بها شخصية مثل شخصية الإمام علي تعيد التوازن لجميع المفاهيم الإنسانية لمن أراد أن يُعمل عقله؛ لذلك فإن أمنية لقاء الإمام علي والحديث معه تداعب قلوب الكثير من الناس وما نحن في هذا الزمن سوى قلوب عاشت حبه ولم تتقن فنّ هذا الحب؛ فما عرفنا للزهد من طريق ولم نلتمس السبل الصحيحة المؤدية لله تعالى مثلما سلكها علي، وقلّما ارتشفنا مناجاة صادقة لله تعالى مثل مناجاة علي الشّجيّة بشتّى أصنافها وألوانها الخاشعة.

وهو الذي يقول: “إلهي ما عبدتك خوفًا من عقابك، ولا رغبةً في ثوابك، ولكني وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك”.

كلّما ارتسم خيال الإمام علي في سماء حياتنا وجدنا أنفسنا ضيوفًا أمام موازين العدالة نجلس على موائد ازدهت بأصناف مختلفة من الحكمة وفصل الخطاب يدهشنا مذاقها الذي لم نشهد له مثيلًا، ومما يزيد في روعة صور علي المشرقة استمدادها للنور من الشمس المحمدية. فكانت ملازمته للنبي الكريم حصنًا قويًا أعطته حصانة كبرى في التعامل مع الناس فنراه وبالرغم من كونه لم يستلم زمام الخلافة بعد رسول الله إلا أنه بعد وفاة رسول الله لزم بيته وأقبل على القرآن الكريم يجمعه ويرتبه ولم يخرج من بيته إلا بعد أن جمعه كلّه وكان هذا عملًا بوصية النبي الكريم عندما قال له: يا علي إن القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيّعت اليهود التوراة. ثم اتّجه بعد ذلك لحماية الناس في زمن لم يكن بيده زمام الأمر فسهر على بيضة الإسلام من نصح الولاة وإرشادهم ومحاربة الكفار والمرتدين، وحسم القضايا التي يعجز عنها كبار رجالات الدولة ولن ينسى التاريخ تدوين ما قاله الخليفة عمر بن الخطاب أكثر من مرة: “لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن”.

لقد كان الإمام علي عليه السلام جوهرة نادرة في زمن الخلفاء الراشدين فأصبح ملاذًا للجميع وقد ورد عن أحمد بن حنبل في مسنده: لم يكن أحد من أصحاب النبي يقول: سلوني إلا علي بن أبي طالب، وما ذلك إلا لشدة استيعابه للشريعة الإسلامية وتربيته على يد رسول الله وعدم مفارقته له في ليله ونهاره، وحق له أن يقول: “علمني رسول الله ألف باب من العلم في كل باب ألف باب”.

كما أتاحت له مصاحبته لرسول الله تخلقه بأخلاقيات محمد فأصبح اللسان الناطق بالإسلام والمرجع الثاني للرسالة دون أن يخالجه شعور العظمة والكبرياء.

يقول الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز: “ما علمنا أحدًا كان في هذه الأمة أزهد من علي بن أبي طالب بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم”.

عليٌّ أمير المؤمنين استوحش الدنيا وزخارفها ولم يعطها أيّ اهتمام يُذكر، علي أمير المؤمنين كانت الإمارة والمناصب عنده لا تعادل قلامة ظافر، انحنت له الدنيا فأرداها قتيلة بين يديه ولأنه علي بن أبي طالب وقف النبي وقام يدعو ربه قائلًا: “برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه، اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه” وما هي إلا وقفة خالدة أبكت من تحجّرت ضمائرهم في الإجحاف بحق علي.

المصدر التاريخي: دراسات في التاريخ الإسلامي- محمد باقر الناصري



error: المحتوي محمي