قادت الصدفة الكاتب جهاد حسن آل عيد، المُنحدر من جزيرة تاروت إلى جمع ما يكتبه إلى رفاقه المُقربين من دنياه الأدبية والثقافية عبر قنوات التواصل الاجتماعي إلى دفتي كتاب، ليأتي إصداره الثاني بعنوان “زبرجد”، والذي يقع في 99 صفحة، بحجم A5 الصادر عن دار تكوين بجدة.
يذكر”آل عيد”، لـ«القطيف اليوم» متحدثًا عن زبرجده، بأنه لم يخطر في خلده أن هذه الرسائل بينه وبين المُقربين من رفاقه، التي احتضنها العالم الافتراضي، سوف تشرق ذات يوم في كتاب، بعد ما خطه يراعه في إصداره الأول، الذي جاء بعنوان: نياط، إلا أن الفكرة داهمته فاستجاب طواعية لها، كعاشق، هذيان ظلّه، خُطوات، تقوده إلى عناق أنثاه في ضوء الأبجدية.
وقال: إن حكاية الإصدار جاءت صدفة؛ حيث إن أغلب النصوص فيه كانت خاصة بمجموعة قريبة مني، أبادلهم النصوص ردًّا على نصوصهم، أو استفزازًا أدبيًّا ليراعهم، حتى جاءت الفكرة بأن أقوم بجمع وتنقيح النصوص، لتكون على هيئة كتاب.
وتناول “آل عيد”، الشغوف بالقراءة، والمُهتم باللغة والأدب بشتى فنونها، والمُغرم بالنثر حدَّ الإغراق، لما فيه من رحابة وحرية وإطلاق العنان للكلمات _في إصداره رسائلًا إلى أنثاه، التي يراها الحبيبة في زمن أصبح التواصل فيه ماديًّا، ليأتي هذا الزمن إلى مسافاتنا، ويُغادر ملامحنا سريع الخُطى، يفتقد لجمالية اللّحظة، والتأمل، والتفكر في سياقات متنوعة، تدحرجت بين العتب، والفراق، وندب الحظ، وحديث النفس، والأمنيات.
وعن سؤال «القطيف اليوم» عن فلسفة الإغراق في الأنثى، لتكون محور الإصدار، وشُرفاته، يُجيب: حواء أنيسة آدم، وهب من أزاحت هم بُعده عن الجنة، وكأن الله عوض آدم بحواء، لتكون جنته على الأرض، وهي محور كوني متأصل فينا لا يفتك ولا يبرح عن وجدان الرجل فكرًا وغاية ووسيلة.
يقول في “روحان وجسد”:
أريدُ منكِ أنفاسًا تُذيب شفتيَّ على لساني لتشربيهم قهوة المساء
أريدُ أن أحضنك حتى أشعر بأن روحكِ تُزاحم روحي في وسط جسدي
وفي “آخر أميرة”:
الحُبُّ منك يجعلني لا أحتاج شيئًا غير حُضنكِ، أزداد به شُموخًا وثقة
ويرى “آل عيد” في الأنثى أنها في ذواتنا البوصلة، الماء الذي يُرعشنا بدفئه، ويروي ظمأ الجسد والروح، هي الظلّ في صحراء البصر، والضوء في ظلام الأمكنة.
وأخذناه إلى الضفة البلاغية في سُؤال آخر، مفاده: إن المُتتبع للنصوص في الإصدار يجد أنه ثمَّة مزج بين الحالة النثرية والحالة الشعرية، التي تُقاسمها بلاغية النص سواده، ألا يُمثل هذا المزج عائقًا في فهم القارئ.
وأجاب: للسؤال أصل خلافيٌّ بين أرباب اللغة، وهو ما أنشأ مدرستين ولكُلٍّ روادها، وهُما: مدرسة الشعر العمودي وما له من صدر وعجز، ويخضع لعلم العروض من وحدة القافية والبحر، ومدرسة شعر التفعيلة، وتكونه من شطر واحد لا حد لطوله، وله أساس في وحده التفعيلة والمعنى.
وأكَّد: إذا أدرك القارئ منشأ الاختلاف، لن يكون هذا المزج عائقًا في الفهم، لافتًا إلى أن المُباشرة في الصياغة تكون جافة، وهي أشبه بإعطاء الأوامر، وإن كانت مؤطرة بعنوان الحب، إلا أن المُحسنات البديعية تعطي الكلام بُعدًا ثالثًا غير اللّفظ والمعنى، وهو الخيال، فتُصبح الكلمات خفيفة، كالقطن على قلب المُتلقي.
يقول في نص “قهوة البنفسج”:
الدُّخان المُتسامي من فوهة كوب القهوة، يُشكل ظلًّا لكِ في أرجاء المكان، وينشرُ عبقًا مُخمليًّا بلون اللافندر.
من “مثلكِ”، يُعطي الأشياء بُعدًا بطعم الإعجاز؟ وكأن ماء الحياة انفجر ينبوعًا بين يديكِ
الإلهام والشللية
وبيَّن في لحظة الدفء من الكلم، بأن كل المشاعر التي يعيشها صاحب اليراع، التي تمرُّ بين دقائقه، وتسكنه في خلجاته، مُتراقصًا على زقزقة نبضاته، هي وحي من الإلهام، التي يجب أن تُستثمر وتُعاش بتفاصيلها، مُنوهًا بأنها لحظات للتفكر لا الهروب أو التأفف، وحين تُمزج بلمسة سحرية من اللّغة، تظهر بسحر التأليف والإنجاز.
ودعا في ذات السياق إلى الابتعاد عن الشّللية الثقافية، مُؤكّدًا أن الشّللية يطغى عليها طابع الأنانية والتفرد، وأبرز ما تُفرزه من سلبيات يجيء في انحسار المُنحى الثقافي، وتأثيره سلبًا على صُعوبة التوسع، ونشر الثقافة.
وهمس بكُل حب: لِزامًا علينا الأخذ بيد بعضنا بعضًا لإثراء الساحة بما نُبدعه، لرفعة اسم القطيف، كمنارة للبلاغة والفصاحة، مُوجهًا كلمة لكُل من يجد في نفسه الموهبة، وقال: إن الساحة الثقافية في المنطقة، تحتاج إلى حراك ينفض الغبار ويزيح الستار عن منجم، بين زواياه جواهر الإبداع في جميع مجالات الفن: الشعر، والرسم، والخط، النحت، والموسيقى.