لكنها الأقدار

منذ أن تلقيت خبر فقدان ابن خالي الشاب المرحوم علي آل يعقوب شعرت بخوف يغمرني، ومرت الأيام ثقال دون أي خبر يطمئننا عنه، كنت أنام نومًا خفيفًا وأستيقظ مع كل رسالة بالجوال، فأقوم لأتبين هل من خبر، ولكن ما من أخبار.

مرت تلك الأيام وأنا أسترجع أيام طفولتنا وشقاوتنا حتى إنني تذكرت تفاصيل أعتقدت أنني نسيتها … كان شقيًّا ومضحكًا في الوقت نفسه .. رحمه الله .. مرت السنين دون أن نشعر .. أبتسم كلما رأيته من حين لأخر؛ حيث كبرنا ولم نعد نراه كما في السابق، ولكن ما إن أراه أصبح شابًّا رزينًا ومؤدبًا ترتسم على وجهه ملامح خالي أبتسم وأقول في نفسي ما شاء الله.

بعد أسبوع من فقدانه كنت أنوي الذهاب لزيارة الرسول، لكني ترددت كثيرًا خوفًا وقلقًا، لكن وبعد تردد وتفكير كثير وسؤال لمن حولي قالوا لي اذهبي وأدعي له. وبطلب خاص من والدة الشاب وجدته؛ حيث قالت اذهبي عني وأدعي عني لعل الدعوة مستجابة ويرجع ولدي بالسلامة. ذهبت للزيارة وفي ليلة الرغائب طلبت من جميع من كانوا معي الدعاء له.

جلست أتوسل حتى وقت متأخر، ولم أكن أعلم بأنني سأكون على موعد مع خبر يهزني عند وصولي للسكن، كان الجميع يتداول أخبار بوجود جثة في مياه الخليج، فاتصلت بأمي فأخبرتني بأنها خائفة من فتح الجوال، وطلبت مني عدم الرجوع من الرحلة وحيدة، وأبي أيضًا أرسل لي بعدم استعجالي حتى التأكد من الخبر، وما هي إلا ساعات حتى وصل الخبر كالصاعقة، أصبت بقشعريرة في جسدي وغثيان ودوار استمر لساعات، كنت في داخلي غاضبة ناقمة مما حدث.

زارتني أخواتي المؤمنات ممن كانوا معي بالرحلة، فقالت لي إحداهما ربما هذه استجابة لدعائكم وتوسلاتكم؛ حيث إنكم عرفتم مصيره أفضل من أن يظل غائبًا، وقالت لي الأخرى ستمر هذه الأيام وستجدين أهل المصاب هم من سيعينوكم ويهونون عليكم ما حدث، واذهبي مرة أخرى للرسول وأدعي له بالرحمة.

لكن غضبي الذي بداخلي منعني من الذهاب، فلم أكن أتوسل ليرجع لنا متوفيًّا في برد قارس في ظلمة الليل في وسط البحر، ولا نعلم ما رآه من أهوال، وكنت أردد أين رحمة الله!!! كانت هذه الأفكار الوحيدة التي تدور في رأسي، ولم أستطع التفكير في أي شيء غيرها.

عندما رجعت ذهبت مباشرة لأرى الأهل لم أرَ منهم جزعًا، بل كنت أسمعهم يحمدون الله بين حين وآخرى رغم شدة التعب والإنهاك والمرض الواضح عليهم … حتي سمعت أمه تقول الجميع متأثرين ويدعون له، جميع أهل القطيف يدعون له فما هذه المنزلة التي كتبها الله له حتى يسمع الجميع بقصته ويتأثرون جميعًا ويدعون له في كل بيت ومن كل مكان.

عندها فهمت ما قيل لي (ستجدون أهل المصاب هم من يهونون عليكم) لا زالت الأيام ثقال؛ حيث إنه لم يكرم جسده حتى الآن، وما زلنا نبتهل إلى الله بالدعاء وطلب الفرج، وما زلت أفكر كيف كان فهمي قاصرًا، فكل ما حدث وما زال يحدث خيرًا ورحمة له ولنا إن شاء الله، فما زالت البيوت حتى الآن تبتهل داعية له، فهنيئًا له هذا القدر وهذه المنزلة، ونسأل الله أن يسامح قصر فهمنا وإدراكنا… ونسألكم الدعاء حتى يكرم ذلك الجسد المنهك من رحلته الطويلة إلى مثواه الأخير.



error: المحتوي محمي