الدكتور المبيوق: بعد أكثر من 30 عامًا باحثًا عن «العفو» وجدت أن امتصاص الألم يحرر الشخص من ألمه

طرح الدكتور البروفيسور رضا المبيوق خلاصة ما قضاه في البحث مدة تزيد عن الـ 30 عامًا عن مبحث “العفو”، رسالته التي بدأ رحلته فيها منذ عام 1984 ولا زال يتابع السير فيها، وذلك في مركز البيت السعيد بصفوى عند استضافته لإلقاء محاضرة بعنوان “العفو سبيل نقاء القلوب”.

وعرَّف المبيوق معنى العفو من المفهوم البحثي الذي انتهجته مجموعة البحث في جامعة ويسكونسن في ماديسون بأنه عملية معقدة وبطيئة جدًّ، إذا استعجلت ربما تؤدي إلى عفو زائف أو عفو غير كامل أو عفو غير ناضج، لافتًا إلى أنه طيلة سنوات بحثه عن العفو قد وجد معانيها في كلمات الرسول الأكرم محمد (ص) والعترة الطاهرة، معلقًا بأن الكلمات عميقة ويحتاج فيها إلى تفكيك وربطها بالمستجد في علم النفس.

وبين أن دراسته في مرحلة الماجستير قد ركزت على نظرية العفو ونتيجة الدراسة قد تمثلت في 6 مراحل للعفو، وهي العفو العقابي، والعفو المصلحي، والعفو التوقعي، والعفو من أجل بقاء واستمرارية حالة الانسجام.

ووضح أن هناك نوع نادر من العفو وهو العفو النابع من المحبة للشخص، حيث يغض المُساء إليه النظر عن الإساءة، وهذا النوع جدًّا نادر ولا يرى إلا في حالات بسيطة، فتجد من بين 50 شخصًا 3 أشخاص يعملون به.

وقال بأنه بالإضافة إلى أنواع العفو المذكورة هناك العامل الديني، وهو إيمان شخصي بالإضافة إلى التنشئة الاجتماعية في التربية، فإذا عاصر الطفل منذ صغرة بعض من نماذج العفو كأن يرى حالات نزاعات وألم تكللت بالعفو سيخزنها في ذاكرته وتكون في عقله الباطن، والإنسان يعمل بحسب الشيء الذي اختزنه.

وأكد بأن الإنسان يجب أن يعفو من طوع نفسه ولا يُجبر على العفو؛ لأنه خيار يُختار بوعي وإرادة، فيما أشار إلى أن هناك عوامل مؤثرة في خيار العفو، منها عامل الزمن؛ حيث يكون الإنسان متأثر ولا يستطيع أن يسلك مسار العفو والرحمة في أول خطوة؛ لأن الجرح ما زال طري وردة الفعل شديدة، كما لحدة مستوى الإساءة عامل مهم.

وبين أن الذكاء الشخصي يلعب دورًا في مرحلة العفو، فهو مهم بحيث يفكر الإنسان إذا لم يعفو عن المسيء ربما قد تستفحل الأزمة كما سيظل الموقف يتحكم في مشاعره من بعد، وتابع هناك عوامل مؤثرة أيضًا كون الشخص المسيء قريب أو بعيد؛ حيث إن العفو عن مسيء لا تعرفه أسهل.

وشرح طرق البدء في آلية العفو مبينًا أن من الآليات الناجحة بالتجربة هي “إعادة التأطير” وهي فكرة في علم النفس، بحيث إذا وجد الإنسان فكرة معقدة عليه أن يأطرها ثم يبسطها حتى يسهل عليه ترجمة وتحليل الموقف، حيث يرى الشخص في عملية التأطير للإساءة والمسيء جوانب لم يركز عليها في عملية التأطير الأولى، وسيكون كأنه أعاد صياغة المشكلة، ما سيساعده على حلها.

وتابع: بعد أن تحدث عملية التأطير ستتكون مشاعر وتعاطف وعليه سيتقبل الشخص امتصاص الألم والإساءة، ففي كل السنوات التي قضيتها في البحث والمطالعة عن العفو وجدت أن امتصاص الألم يحرر الشخص من ألمه، وهذا ما وجدناه في أكثر من حالة.

ووضح أن من معوقات العفو هي إساءة الفهم له، حيث يظن البعض أن الذي يعفو هو إنسان ضعيف الشخصية أو لا يملك القدرة لحماية نفسه أو خائف من القوة الجسدية للمسيء، كما قد يفكر في أنه إذا عفا عن الشخص فمن الممكن أن يتيح له فرصة للإساءة إليه ثانية أو للآخرين.

لافتًا إلى أن المقياس الحقيقي للشخص عند العفو هو انخفاض أو انعدام مستوى الكراهية والعواطف السلبية؛ حيث يرى الشخص في نفسه القدرة على التفكير في المسيء له بتفكير جيد وأن يدعو له بالخير.

وأكد على ضرورة عدم إخبار المسيء بالصفح عنه حتى ولو كان الزوج لعدة أسباب، منها: أنه من الممكن إذا قال له عفوت عنك يعود في تكرار الإساءة مرة اخرى أو يطبقها على آخرين، أو إذا كان الشخص الذي أساء غير موجود أو لا يوجد تواصل معه في الوقت الحالي أو متوفى.

وشرح مرحلة ما بعد العفو بأنها مرحلة تراضٍ وعودة إلى علاقة طبيعية بين المسيء والمساء إليه، وأن لا يكون هناك انفصال جسدي بينهما.



error: المحتوي محمي