هل صرنا مغرمين بالقراءة؟!

في هذه الآونة لا تقف في إشارةٍ ضوئيَّة في الشَّوارع أو في المجالس أو في النَّوادي الرياضيَّة، إلا وترى أغلبَ النَّاس من حولك إمَّا يقرأون شيئًا أو يشاهدون شيئًا! ما عادَ النَّاس يتحدثون في المجالس إلا لمامًا، فماذا يقرأ كلُّ هؤلاءِ النَّاس؟ وماذا يشاهدون؟

إذا ما كنا نقرأ ما يفيد في كلِّ هذه الأماكن والوقفات فذلك شيء مذهل، أمَّا إذا كنا – فقط – نتسلى فذلك ما يبعث على الإحباطِ والشعور بالخسارة. فرصةٌ جميلة لشبَّان وشابَّات اليوم أن يستفيدوا من هذه الاختراعات ويقرأون ويشاهدون ما هو مفيد، فلم يأتِ زمان على النَّاس مثل الذي نحن فيه، حيث بانَ صراعٌ حادُّ بين الثَّقافة الحقيقيَّة والثَّقافة الهابطة، وكلاهما في متناولِ اليد؛ الحقيقيّ والزَّائف. وقتك هو عمرك .. وقتك هو ساعات، يمكنك أن تضيِّعها في لا شيء أو تقضيها في الأصالةِ والإبداع والقيمة.

في القديم كان يسافر من يبحث عن الكتاب ليالي وأيَّام عبر الصَّحاري والبحور، وقد لا يجد الكتابَ الذي يبحث عنه، وإن وجده ربَّما لا يستطيع أن يشتريه أو يحمله، فقط يقرأ وينسخ ما استطاع. أما الآن في ضغطة زرّ وبالمجان يأتيك الكتاب. هل تصدقون أن وزن وحجم مكتبة من آلافِ الكتبِ الورقيَّة أصبح يساوي لا شيء؟ الجهاز الذي فيه كتاب واحد أو مليون كتاب لا يتغير وزنه ولا حجمه. هذه الوسائل المدهشة يمكنها أن تحمل آلاف الكتب والصحف المتنوعة وبالمجان!

الأجهزة التي نحملها في أيدينا، تحمل السمَّ والسمن، وعلى من يحملها الاختيار بين الكتاب الرَّاقي والمقاطع المفيدة، وبين الغثّ الذي لا ينفع في شيء، بل يضر. تخيلوا أن هذه الأجهزة المحمولة فيها الدِّين والاقتصاد والمال والعلم وتطوير الذَّات وكل الأدوات التي تصلح لسوقِ العمل، وفيها وسائل التَّطوير التي تمكن الفرد من أن يكون مطلوبًا ويرتقي أكثر في مجالِ عمله!

أنا أغبط أبناءَ هذا الجيل، القصص والكتب والروايات التي كنتُ أموت لأحصلَ على نسخةٍ منها لأقرأها قبل نومي، اليوم حفيدي الصَّغير في يده ملايين من الكتب والقصص المفيدة وهو مستلق في سريره. تقنيات اليوم تفتح لنا ألفَ بابٍ ويُفتح من كل بابٍ أبواب، وهيَّأت لنا السبلَ والأسبابَ للعلم، فهل بقيت لنا حُجَّة أن لا نزدادَ ارتفاعًا ونهوضًا؟ الجوابُ في أيدينا.



error: المحتوي محمي