في القُديح.. الثنيان والسنونة يُحلقان بالسَّرد القصصي في باكورة فعاليات مُلتقى سدرة ٢٠٢٢م

حلّق كلّ من القاص موسى الثنيان، وحسن السنونة، من خلال السَّرد القصصي بقراءة مجموعة من القصص على نخبة من الأدباء والمُثقفين في الأمسية القصصية، التي أقامها مُلتقى سدرة الثقافي، في باكورة فعالياته لعام 2022م، مساء الاثنين في مجلس الحاج حسن الحُميدي بالقُديح، والتي أدارها النَّاقد والروائي محمد الحُميدي.

وسرد القاصان بعضًا من قصصهما القصيرة، التي تُحاكي الواقع قديمًا وحاضرًا، مصوران ما تزخر به الحقبة الزمنية، ليرسما التَّشكل الاجتماعي والثَّقافي، فيتجسد للمُتلقي مشهد سينمائي حي.

وذكر الحُميدي في كلمته التي ألقاها خلال اللقاء أنَّ الشَّغف بالحكايات، والولع بها، ومناداة الشَّخصيات الخيالية، القابعة في الرأس، والتي بالكاد تُفارق الأفكار، هي أمور يتميز بها صانع الحكاية، مبيّنًا أنَّ العالم بالنسبة إليه يتشكَّل من لا شيء، والأحداث تنمو من نقطة الصّفر، وقال: “ما الواقع إلا استثناء إذ يمكن الاستناد على تفاصيله، وأجزائه؛ لبناء عالم أوسع، وأكثر تنوعًا مما يمكّن للمرء العاديّ أن يتخيَّل”.

وأشار إلى أن القاص موسى الثنيان يتجه إلى الغوص في الداخل الثَّقافي واكتشاف المناطق الأسطورية المُعتمة؛ عبر الإحالة إلى تراث الأجداد الموغل في القدم، حينما يقومون بتربية أبنائهم على الحذر والخوف وعدم الإقدام، حيثُ يطرح قضايا مصيرية، تتعلق بالحياة والموت، بالنسبة لهم، بينما هي اليوم، من خرافات الأولين.

وأضاف أنَّها من حكايات الزمن الجميل، مبينًا أن هناك قصصًا مثل “سمكة البدحة – طائر الشّولة – شاهين”؛ تعكس هذا الزمن، وتشير إلى تفاصيله، ملفتًا إلى أن ثمَّة قصص أخرى، مثل: “دعيدع”، وعلاقته بـ”أم السَّعف واللّيف”، تعبر فيها الأجواء بين زمنين وحياتين، كاشفة عن تغيُّرات عميقة داخل الواقع المعيشي، قدَّمها القاص الثنيان ضمن قالب تراجيدي، يتوسّل العجائبية السَّردية، فيشرك اللامعقول مع المعقول.

وأكمل بأن الحال كذلك مع قصة “أغنية الربيع”، التي تشير إلى خروج صفر وقدوم شهر ربيع، وهي اللّحظة الاحتفالية داخل المجتمع المحلي؛ حيث عمد إلى الاستفادة منها وتوظيفها داخل القصة؛ لتكون لحظة التغيير المنشودة، ضمن قالبه الدرامي، مستعيدًا معها العبارات التراثية نفسها، لكن بصياغة جديدة تناسب العصر الحديث.

ووصف القاص حسين السنونة بأنه يبرز اشتغاله على الجانب الذاتي بشكل واضح؛ إذ يستعيد مراحل تاريخية من حياته المحلية، مازجًا إياها بذكريات المكان، وكأنَّ الحنين، هو ما يقوده في سرد حكاياته.

وألمح إلى أنَّ قصة “كوري في تاروت”، بما تحمله من إشارات إلى التَّغيرات الحاصلة بين زمنين؛ زمن النَّفط وما قبله، تكشف للقارئ عن بيئة اجتماعية خصبة؛ تتفاعل مع الغريب وتهوى اكتشافه رغم تحذيرات الأهل، وفسر ذلك قائلًا: “فالكوري ليس إنسانًا عاديًّا في نظر الطفل، بل هو مدعاة لنسج علاقات معه رغم ما بينهما من فارق في العمر واللّغة والثَّقافة”.

وأوضح أنَّ السنونة لا يكتفي بالبقاء ضمن البعد التاريخي الذاتي، بل يسير إلى مناطق اللامعقول، عبر اختراع شخصيات تتصرف بغرابة، وتشكك في ذاتها والعالم، مثل قصة “أقنعة من لحم”، التي يصرخ البطل فيها حينما يرى وجهه في المرآة قائلًا: “وجهي.. وجهي، من أين أتى هذا الوجه؟ أين ذهب وجهي؟”.

وروى أنه عاود صراخه المكتوم قائلًا: “وجه كلب! يا الله وجهي وجه كلب!”؛ شارحًا أن السَّرد العجائبي يستمر حتى نهاية القصة، كاشفًا عن مخاوف البطل تجاه العالم المحيط، وعن كمية كبيرة من الخداع والغش، التي تسود العلاقات بين البشر.

وكشف أنَّ ذلك يتأكد في النَّهاية حينما تصرخ الزوجة قائلة: “وجهك غير طبيعي! ماذا حدث؟ وجهك وجه..!”، قائلًا: “ولا يكمل، فالنَّهاية معروفة سلفًا”.

وحلل هذا الاشتغال على القصة وتوجيهها ناحية الواقع بأنه يشير إلى توافق بين القاصين الثنيان والسنونة، مبينًا أن كلاهما يسرد ذات التَّفاصيل، ويتناول ذات الهمِّ، إنما من زاوية مختلفة، وقال: “فحينما يتوغل الثنيان داخل الشَّعبي والمحلي والتراثي، مستعيدًا الشَّخصيات الأسطورية واللامعقولة، يتجه السنونة إلى اختراع شخصياته الرمزية والعبثية، التي هي بطبيعة الحال لا معقولة أيضًا”.

ولفت إلى أنَّ قصص اللامعقول المحتوية على الشّخصيات العجائبية، والأحداث الغريبة؛ سمة بارزة من سمات القصَّ في مجموعتي السنونة والثنيان، وهو ما يُشير إلى التَّوافق بينهما، متسائلًا؛ هل هذا التوافق محضُ صُدفة، أم بتخطيط مُسبق، وأوضح أنَّهما يُمارسان الكتابة، عبر منهجية (الواقعية السحرية)، التي تمزج بين العجائبي والواقعي.

وفي ختام الأمسية، قدم مُلتقى سدرة الثَّقافي هدايا تذكارية للقاصين، إضافة إلى هدية قدمها الكاتب حسن آل حمادة، تقديرّا لهما.

وشكر المُشرف العام على المُلتقى الكاتب إبراهيم الزين، القاصين، والحُضور على تواجدهم، ومُشاركتهم في باكورة فعاليات المُلتقى لهذا العام 2022م، واعدًا بتقديم فعاليات نوعية، تُعنى بالأدب والثَّقافة، سعيًا إلى الارتقاء بالمشهد.




error: المحتوي محمي