الشروق المفجع

لم يكن شروق شمس يوم الأحد الرابع من شهر رجب المرجب من عام 1443 للهجرة، شروقًا عاديًّا على عائلتنا (البيات وبقية الأرحام من عائلة أبو السعود والحجي والنصر).

فقد كان في ذلك اليوم خبر رحيل والد الجميع والشخص العطوف وواصل الرحم العم الجليل والمربي الفاضل صاحب الأيادي البيضاء الحاج عبدالجليل عبد الله البيات، وكان وقعه مؤلمًا ومُبكيًا للكبير قبل الصغير وللبعيد قبل القريب، وكان لسان من توافد من المؤمنين لتشييعه بأنه “والد الجميع” و” فقيد الجميع”.

كيف لا نشعر بمرارة الخبر وفجاعة الرحيل ونحن خسرنا من يتفقد الصغير والكبير ويزور القريب والبعيد ويعيش همومهم ويُبلسم جراحهم.

لم أنسَه حين كنت صغيرًا في السنوت العشر الأولى من عمري وهو يعاملني كأحد أبنائه ويقربني منه، فيفيض بحنانه ويجود علي بعطفه بكل حب وإخلاص. لم أراجعه في يوم من الأيام في شيء ما إلا وكان قضاؤها حتميًّا بالنسبة له.

ليست هذه مشاعري الخاصة والوحيدة تجاه الراحل رحمه الله تعالى، إنما هي مشاعر الأقرباء جميعًا، كل منهم ناله النصيب من العطف والحنان والمحبة.

ولأن العم الراحل يحزنه أن يرى أحدًا في ضائقة أو حاجة، نجده حتى آخر أيام حياته عندما كنا نتصل به لنطمئن عليه يخبرنا أنه بخير وبصحة جيدة؛ محاولًا إخفاء ألمه كي لا يتألم الأحبة لألمِه أو يحزن الأقرباء لمرضه، مع العلم أن صحته لم تكن على ما يرام.
فهكذا كان جبلًا يصد الرياح العاتية عن أحبته وأقاربه كي يعيشوا في وئام، حتى ولو كان ذلك على حساب صحته.

فبفقدك أيها العم فقدنا سندنا الأخير في العائلة والخيمة التي كنا نتفيأ ظلالها أوقات الشدائد والمحن، إلا أن عزاءنا هو هذه السيرة العطرة التي تركتها لتكون نبراسًا لنا ومنهجًا نقتفيه، وشعلة وضَّاءة تُنير لنا الدروب.

فرحمك الله رحمة الأبرار وجعل الجنة مثواك، وحشرك الله مع من أحببتهم في هذه الحياة الدنيا نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.



error: المحتوي محمي