إن من أكثر ما يثير “البلبلة” في أذهان الناس هي تلك التغيرات أو المعالجات التي حدثت على الصيغة التصنيعية للغذاء والجدل حول سلبياتها الصحية والتغذوية وعلاقاتها ببعض الأمراض.
إن اختيار الأطعمة الحية يعتبر عاملاً حاسماً في المحافظة على صفات غذائية متميزة، وما ينتج عنها من جوانب غذائية مفيدة، وخصوصاً فيما يتعلق بالوعي الغذائي والصحي لدى المستهلك.
تزخر أسواقنا المحلية بآلاف المنتجات الغذائية المعالجة، شكلت نمطاً جديداً للشركات الغذائية في استخدام أساليب الشطارة لتسويق منتجاتها، وإن كان بعضها ليس بتلك الفوائد المتوقعة، وليست ثمة فوائد حقيقية منها إلا للتاجر الذي أنزلها للسوق كسلع تجارية، والتركيز على عنصر المنافسة لصالح الربح السريع دون الاهتمام بالجوانب الصحية والتغذوية.
إلمام المستهلك بمحتوى المنتج يضمن له حصوله على أغذية سليمة وصحية، فالمعلومات التي تكتب على بطاقات الأغذية المعبأة هي لضمان حماية المستهلك من الغش والبيانات المضللة قبل شرائها.
تعتبر منتجات الألبان من الأغذية المتكاملة من الناحية البيولوجية، فهي غنية بالأحماض الدهنية والبروتين والكالسيوم والبوتاسيوم وفيتامين D رغم أنها ينقصها قليل من العناصر الغذائية إلا أنه يُعد أفضل من أي غذاء منفرد وحيد، ولا توجد مادة غذائية أخرى يمكن أن تقارن مع الحليب لاحتوائه على المواد الغذائية الأساسية الضرورية التي لا يستغني عنها جسم الإنسان في جميع مراحل نموه وتطوره.
تصنع منتجات الألبان محلياً إما من الحليب الطازج والمنتج من الأبقار في المملكة، وإما من الحليب المجفف المستورد من دون حدوث أي تغيير أو تعديل على مكوناته الطبيعية، فالجميع في حاجة إلى فوائده، كما يصنع اللبن والزبادي والجبن والقشدة يدوياً باستخدام الطرق التقليدية غالباً في المزارع المحلية، ويستخدمون الحليب الخالص.
أما اليوم فإن معظم صناعة الألبان تقوم على مكونات حليبية تحتوي على قدر ضئيل من الدهون إن لم تكن خالية تماماً، وهي مصدر أساسي للأحماض الدهنية والفيتامينات، وتباع في الأسواق كمنتج أصلي.
يجب أن يتوخى المستهلك الحذر عند شراء الأطعمة، فالحديث عن منتجات الألبان كغذاء فيه شيء من التعجب! ورغم التعجب والغرابة إلا أن الحليب ومنتجاته يقع ضمن الأغذية المهمة للصحة، كونه يعطي بعداً تغذوياً عالياً بما يمثله من قيمة غذائية عالية. وإن كان ثمة تعليق توضيحي على هذا النوع من الأغذية فهو أن الأمر يحتاج إلى إدراك لأبعاد المعالجات الأصطناعية.
إن أكثر الحليب ومشتقاته الذي يتواجد في أسواقنا يخلو من دهن الحليب، فتناوله يقع تحت المحذور رغم غناه وتدعيمه بالعناصر الغذائية الأخرى، إلا أن نزع المواد الدهنية عن الحليب واستبدالها جزئياً أو كلياً بالزيوت النباتية، يحولها إلى منتج آخر، عبارة عن تركيبة صناعية تصنف بـ”شبيه الجبن” أو “شبيهة القشدة”.
تناول حليب الأبقار ومنتجاته يقود إلى رفع تركيز حامض لينوليك “Linoleic” هذه النوعية من الأحماض الدهنية غير المشبعة تكتب اختصاراً CLA مفيدة ومهمة للصحة، والدراسات العلمية تؤكد مقدرتها على الحد من نمو سرطان الجهاز الهضمي، وأيضاً مفيدة لجهاز المناعة في الجسم، لذلك نؤكد أهمية وجود الدهون في حليب الأبقار، فالله سبحانه وتعالى لم يسخّرها لنا عبثاً، وعندما تلجأ شركات تصنيع الألبان بنزع الدهن من الحليب واستبداله بزيت نباتي يصبح من الأغذية غير المتزنة.
إضافة أية مادة غريبة إلى الحليب أو نزع أي من مكوناته الطبيعية يؤدي إلى إلحاق الضرر بصحة المستهلك أو خداعه، من هنا ألزمت الهيئة العامة للغذاء والدواء شركات تصنيع الغذاء بوضع كلمة “شبيه” على المنتج الحليبي المزال منه نسبة من الدهن.
– (اسم المنتج) شبيهة القشدة أو الجبنة “يجب أن يتبع اسم المنتج مباشرة عبارة” استبدل دهن الحليب بزيوت نباتية. المصدر: (SFDA.FD 58:2019).
– ألا تقل نسبة دسم الحليب في المنتج عن 5% ولا تزيد على 10% من نسبة الدسم الكلية في شبيه الجبن وشبيه الجبن القابل للدهن. المصدر: (SFDA.FD 58:2019).
– أن يكون محتوى الدهن النباتي في شبيهة القشدة ما بين 10% – 35% المصدر: (SFDA.FD 2332 /2018).
امتلأت رفوف محلات بيع الأغذية ومراكز التسوق بأنواع عديدة من الأصناف المشابهة للحليب والأجبان والقشدة، ويقوم المستهلك باختيار ما يريد من تلك الأصناف بمجرد أن يرى ذلك المنتج في ركن الحليب والأجبان المجهز خصيصاً له، وقد يقع في فخ التضليل والخداع، حيث إن طريقة عرض مثل هذه المنتجات في مراكز البيع تعرض المستهلك إلى معلومات غير واضحة وغير دقيقة.
إذا طرحنا بعض الأمثلة لمنتجات تم تصنيعها بتحويل الزيت النباتي إلى قوام شبيه بالزبدة الطبيعية، معنى هذا الكلام هو أن شركات تصنيع الغذاء تمارس خداع المستهلك.
نزع الدهون من المكونات الحليبية واستبدالها بالزيوت النباتية سوف تقلل من القيمة الغذائية، كون الدهون الغذائية لها دور مهم في صحة الإنسان، والجدل المثار عالمياً حول نوعية الزيوت المضافة مثل زيت النخيل أقل الزيوت النباتية جودة.
إن أغلب الأجبان التي نسحبها من أرفف مراكز التسوق ونضعها مباشرة في عربة التسوق معالجة، بمعنى أنها لا تتأثر بحرارة أو تصاب بعفن.
إن طريقة صناعة الأجبان أو منتجات الألبان الحالية بعيدة عن التوازن الغذائي، ولعل الرسالة الواضحة التي يرغب علماء التغذية إيصالها للمستهلك هي تناول الطعام بصورته الطبيعية دون حذف أي مكون منه، فحذف الدهون من الحليب واستبداله بزيوت نباتية يعني حرمان الجسم من الحصول على عناصر غذائية أساسية مثل الفيتامينات الذائبة في الدهون، وفقيرة جداً بالعناصر الغذائية الأخرى، فمعظم مكوناتها عبارة عن إضافات اصطناعية مع وجود قليل من منتجات الألبان، والحل بيد المشتري وهو التوقف عن شراء هذه الأصناف.
ولكن دعوني أمر سريعاً على بعض ما نشهده من سلع تحمل كلمة “شبيه” بعدما ألزمت الهيئة شركات التصنيع والمستوردين بتدوين كلمة مرادفة لاسم الصنف على البطاقة التعريفية مباشرة، لوحظ عدم التزام عدد من مصنّعي أو مستوردي منتجات الحليب والألبان المعدلة بالزيوت النباتية بالمسمى الصحيح لهذه المنتجات أو اللجوء إلى محاولة خداع المستهلك بالتلاعب بمسمى المنتج.
الملاحظ في منتجات الألبان المتواجدة في أسواقنا بمختلف العلامات التجارية والتي تحمل مسمى “شبيهة” كُتبت كلمة “قشدة” أو “جبنة” وغيرها من منتجات الألبان بشكل بارز وبخط كبير وأيضاً غلاف بطاقة المنتج توحي للمستهلك بأنها قشطة أو جبنة طبيعية، بينما كُتبت كلمة “شبيهة” بخط صغير جداً قد يصعب على المستهلك رؤيتها، أو متنافرة قد لا يتوقع حقيقتها.
مسمى المنتج مكون من كلمتين؛ فيجب أن تكون في مستوى واحد، ومتجاورتين عندما يقرأها المستهلك “شبيهة القشدة” أو “شبيهة الجبنة” والشركات الصانعة تلجأ إلى هذه الطريقة من التحايل والتضليل كوسيلة تسويقية وربحية.
وتعتبر هذه المنتجات مخالفة لمواصفة “بطاقة المواد الغذائية المعبأة” رقم (GSO 9/ 2013).
بند – 4 – المتطلبات العامة؛ “لأن الشركة الصانعة استخدمت أسلوبًا يؤدي إلى انطباع خاطئ بشأن صفاتها وطبيعتها”.
ولا شك أن إلزام الجهات الرقابية التجار والمنتجين بالقوانين والضوابط الصحية تساعد المستهلك على حسن اختيار سلعته الغذائية.
انس ما تعرفه عن طبيعة منتجات الألبان، لقد تم تصنيعها بواسطة الانحرافات في مكونات الحليب الأصلية، لقد تعرضت إلى معالجات تصنيعية أفقدتها العناصر الغذائية، وأضيف لها مذاق وقوام ومظهر خارجي متقاربة مع المنتج الأصلي.
وتذكر أنك سوف تدفع قيمة ما يقدم إليك، فكن دقيقاً في الاختيار عند شرائك الحليب أو الأجبان أو القشدة والمنتجات المصنوعة منه، احرص على قراءة البطاقة التعريفية لأنك بمجرد أن ترى كلمة “شبيه” على بطاقة المنتج، تستطيع اتخاذ القرار الصحيح.
فالأمان والسلامة موجودة في الطبيعة أي الأطعمة التي نأكلها مباشرة دون أن تدخل بالصناعة، لكن هل هذا ممكن؟!
عندما يكتشف الشخص إصابته بالسكري، أو إذا شك في ذلك، فمن الأفضل أن يبدأ بالتوقف عن تناول منتجات الألبان المصنعة على الفور، فهي منزوعة الدهن ومرتفعة السكر والنشويات، وهي السبب الحقيقي لأمراض القلب وزيادة الوزن وارتفاع نسبة السكر في الدم.
وأخيراً.. إننا الآن أمام قوى جبارة سيطرت على طعامنا، أصبح لون الطعام يغرينا أكثر من فائدته، المسألة أصبحت ذوقية، وأصبحنا نعيش في دوامة أشباه الأغذية التي تكتسح أسواقنا وتلتهم جيوبنا، وتبتلع معها صحتنا وعافيتنا!
منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات.